رئيس التحرير
عصام كامل

التعليم ووزير التعليم


منذ تولي الدكتور طارق شوقي خبير تكنولوجيا الاتصالات لحقيبة التعليم ونحن نسمع عن برنامجه لإصلاح التعليم، المعروف أن أي إصلاح يبدأ بدراسة لتقييم الوضع الحالي من حيث الأسباب والمشكلات ثم يتم تحديد الأهداف والتوافق على الحلول الواقعية المقترحة يلي ذلك دراسة الجدوى للإصلاح المطلوب لمعرفة تكلفة عبور الفجوة بين الواقع والمستهدف ثم تدبير التمويل اللازم لتغطية تكلفة الإصلاح، وفي الأخير وضع الخطة التنفيذية لتطبيق الإصلاحات المطلوبة.


ولقد عبرت جموع المصريين عن فرحتها الغامرة بإعلان رئيس الجمهورية أن الدولة المصرية ستضع بناء الإنسان المصري أولوية لها في السنوات المقبلة وفي القلب من ذلك إصلاح التعليم، لكن ما أعلنه وزير التعليم من برنامج للإصلاح أثار لغطا كبيرا بين الخبراء، فقد جاء البرنامج خطة فوقية غير قابلة للنقاش لم توضح المشكلات الجوهرية في نظام التعليم الحالي، وطرق مجابهتها.

واعتقد أن تلك المشكلات الجوهرية التي كانت الأسباب الرئيسية لانهيار منظومة التعليم في مصر، بل إنها ظهرت تاريخيا في تتابع زمني واضح هبط بالتعليم المصري من مصاف الدول المتقدمة، التي يقصدها الطلاب من كل أنحاء العالم للتعليم فيها إلى المركز الأخير في جودة التعليم في العالم.

بدأت تلك المشكلات بإهمال المعلم بعدم الاهتمام بتوفير دخل كاف يضمن للمعلم حياة كريمة مما اضطره للانصراف للبحث عن ما يقيم به حياة أسرته، سواء بالاتجاه إلى أعمال أخرى أو بالمساهمة في إنشاء نظام تعليمي مواز بمصروفات ممثلة في الدروس الخصوصية ومراكز التعليم الخاصة التي انتشرت لتحل محل مجموعات الدروس محدودة العدد، لتقليل التكلفة على الطالب وتعظيم الفائدة للمعلم والقائمين على التنظيم.

وأدى إهمال المعلمين إلى ابتعاد الشباب عن اختيار هذا المجال فأصبح غالبية من يعملون بالتعليم هم من ساقهم قدرهم إلى العمل فيه كارهين في كثير من الأحيان، وصاحب ذلك إهمال لتدريب المعلم وتأهيله ومتابعته لضمان مستوى جيد للتعليم، ومع الزيادة السكانية الكبيرة وعدم مواكبة خطة التنمية لهذه الزيادة زادت أعداد التلاميذ في الفصول، وتخطت الأعداد الموصى بها في نظم الجودة التي تقل عن الثلاثين طالبا في الفصل الواحد حتى وصلت في الفصل الواحد في بعض المدارس إلى مائة وثلاثين طالبا وهو ما يعني استحالة إقامة عملية تعليمية حقيقية.

ولن أتكلم هنا عن اختفاء الملاعب والأماكن المخصصة للأنشطة تدريجيا لصالح محاولات بناء فصول جديدة لتخفيف الضغط وكثافة التلاميذ، ثم كانت التدخلات السياسية التي أعقبت تغيير نظام الحكم في ٥٢، التي كتبت التاريخ وحولت التعليم إلى تعليم إرشادي يمنع فيه الخروج على النص المكتوب ويحظر فيه البحث ومناقشة الرأي الآخر..

فتحول التعليم في مصر إلى تعليم تلقيني يهدف إلى تلقين الطلاب معلومات محددة وتحولت طرق التقييم إلى اختبارات ذاكرة الطالب وما حفظه من المعلومات التي يفترض تلقينها إياه!.. وإذا عرفنا أن هدف التعليم قبل الجامعى في البلدان الأخرى هو إتقان الطالب للبحث عن المعلومات وتقييمها وصولا للقدرة على الاختيار العلمي الموضوعي نعلم إلى أي مدى صار تعليمنا بعيدا عن التعليم الحقيقي.

المفاجأة أن برنامج طارق شوقي جاء بعيدا كل البعد عن التعامل مع الأسباب الحقيقية لتدهور التعليم وسمعنا تبريرات غريبة لذلك فالمعلم لن نستطيع الاهتمام بدخله لعدم وجود ميزانية لذلك، وكثافة الفصول لن نتعامل معها لأنها تحتاج إلى بناء مدارس جديدة تتكلف مئات المليارات وطريقة التعليم لن نغيرها لضرورة تلقين معلومات معينة لكننا سنشتري تابلت لكل طالب وسنغير لغة تعليم المواد العلمية بدءا من المرحلة الإعدادية إلى اللغة الإنجليزية!

مما سبق نستطيع أن نقول إن مشكلات المنظومة التعليمية في مصر واضحة يأتي في مقدمتها ضعف التمويل الذي لا يكفي لتغطية تكلفة تعليم جيد لأكثر من عشرين مليون طالب في مراحل التعليم قبل الجامعي، إضافة إلى ما يقارب ثلاثة ملايين في الجامعات، وما نتج عن ذلك من نقص كبير في رواتب العاملين في قطاع التعليم وعلى رأسهم المعلمين وتدني مستوى البنية التحتية والنقص المتزايد في القدرة الاستيعابية مقارنة بتزايد الاحتياج الناتج عن الزيادة السكانية..

ثم تأتي تخلف طرق التعليم والتقييم والتقويم التي ترمي إلى أهداف سياسية أكثر منها معرفية.. والسؤال الآن هل الخطة المعلنة لوزير التعليم تتطرق لحل أي من المشكلات المذكورة، وتؤكد على الحفاظ على الهوية الوطنية التي تتلخص في لغة قومية واحدة، وإيمان بوحدة التاريخ والمصير؟
 
أترك لكل قارئ كامل الحرية في الإجابة على هذه الأسئلة.

الجريدة الرسمية