رئيس التحرير
عصام كامل

«هجن الخضر».. برنامج إنقاذ مصر من «تقاوي الخواجة».. «أبو ستيت» كشف أكذوبة «الاكتفاء الذاتي».. برنامج لوضع مصر على أول الطريق الصحيح.. والميزانية أبرز مشكلات الم

عز الدين ابو ستيت
عز الدين ابو ستيت وزير الزراعة

على غير عادة وزراء الزراعة الذين تعاقبوا على المقعد الأكبر داخل الديوان العام، خرج الدكتور عز الدين أبو ستيت، ليكشف ما يمكن أن يوصف بـ«الكارثة»، حيث أعلن أن مصر تستورد 98% من استهلاكها من تقاوي الخضر بقيمة مليار دولار سنويا، كاشفًا أن الدولة التي نشأت بها الزراعة منذ فجر التاريخ، تحولت خلال السنوات الماضية إلى مستهلك.


حديث «أبو ستيت»، يكشف أيضا أن مصر مهددة في أي وقت بضعف الإنتاجية، والأمراض النباتية بسبب الأصناف والهجن المغشوشة، كما حدث في أزمة طماطم 023، وهي الأزمة التي كشفت عن ضرورة إيجاد طريقة لامتلاك هجن الخضر الاستراتيجية الخاصة بنا، دون اللجوء إلى الطرف الأجنبي.

حقيقة
ما أعلنه وزير الزراعة الحالي، رغم فداحته، إلا أنه أزاح الستار على حقيقة جيدة إلى حد ما، تمثلت فيما يحدث داخل قسم بحوث تربية الخضر بمعهد البساتين بمركز البحوث الزراعية، والذي يمكنك المرور عليه لترى حجم الإنجاز الموجود هناك، فمنذ تأسيسه بقرار من الدكتور يوسف والي عام 2004، أنتج القسم 21 صنفًا من الهجن المسجلة باسم المعهد وباحثيه، للاستهلاك المحلي والتصدير أيضا، غير أن ضعف الإمكانات ومحاولات الإفشال وضعت الإنجاز في ساحة ضيقة، ولم تسمح له بالانطلاق.

هجن الخضر
الدكتور صلاح محمدين، مؤسس قسم بحوث تربية الخضر، والأستاذ المتفرغ بالقسم حاليا يمكنك أن تتعرف على إنجازاته قبل أن تلتقيه، وترى اسمه من خلال لوحة التكريم الموجودة بمدخل مبنى القسم بشارع نادي الصيد، كلمات الشكر والعرفان تزين اللوحة النحاسية، التي تحمل وراءها جهد الرجل في تأسيس القسم ومشروع برنامج إنتاج تقاوي هجن الخضر، الذي بادر بتقديمه للدكتور يوسف والي، وزير الزراعة الأسبق، الذي وافق فور اطلاعه على المشروع وخصص ميزانية 160 ألف جنيه زادت بعد أن احتاج العمل لتمويل جديد.

«العِرق الصعيدي» إلى جانب الرغبة في خدمة البلاد وتحقيق الإنجاز العلمي، الدوافع الأساسية وراء إصرار الدكتور صلاح محمدين العمل على برنامج إنتاج تقاوي هجن الخضر، بعد أن تلقى تعليقات سلبية بل وساخرة من وفود علمية أوروبية تشكك في قدرة العلماء المصريين على إنتاج هجن الخضر، ليقرر الرجل خوض التحدي لإثبات كفاءة العالم المصري، وأسس البرنامج ومعه مجموعة زملائه المتخصصين من مربي الأصناف ونظموا العمل داخل القسم وبدءوا العمل بواقع إنتاج صنف لكل شخص منهم.

وعن هذه التجربة، قال «د. صلاح» إن أصناف الخضر في الأصل 35 لكننا حددنا 10 أصناف وهي الطماطم والباذنجان والفلفل الحلو والفلفل الحريف والخيار والبطيخ والكنتالوب وغيرها لأنها المحاصيل التي تستورد بذورها من الخارج، فقررنا أن نعمل على إنتاجها وتهجينها هنا في مصر، ومعنى التهجين هنا إنتاج صنف يجمع الصفات الوراثية الجيدة من عدة أصناف مختلفة، لزيادة الإنتاجية وتحقيق صفات ثمرية جيدة وتعزيز مقاومة الآفات والأمراض النباتية داخل الصنف الجديد.

21 صنف
بعد 14 عاما من العمل تمكن قسم تربية الخضر من إنتاج 21 صنفا وهجين في سابقة لم تحدث في مصر من قبل، حسبما أشارت الدكتورة محاسن عبد الحكيم الأستاذ المتفرغ بالقسم ومن مؤسسيه، مضيفة: حيث نجح البرنامج في تأسيس قاعدة علمية وثروة بشرية لإنتاج الهجن في مصر، فالتهجين عملية يدوية تتم في أطوار معينة من حياة النبات، ونجحنا خلال السنوات الأخيرة في تدريب أعداد كبيرة من تلامذتنا على أسلوب التهجين الصحيح وهم ثروة بشرية يجب أن تهتم بهم الدولة خاصة وأنهم من الأكثر كفاءة في العالم بعد فنيين التهجين في جنوب شرق آسيا الذين يتميزون بالسرعة.

وأكملت: القسم مستمر في العمل خاصة بعد استعادتهم بقرار من الدكتور عز الدين أبو ستيت لمزرعة قها التي تعتبر قاعدة إنتاج الهجن بمصر بعد صدور قرار قبل عامين بنزعها من برنامج إنتاج تقاوي هجن الخضر وهي المعمل الرئيسي للبرنامج منذ تأسيسه وبها 90 صوبة زراعية أنتجت جميع أنواع الهجن التي توصل لها القسم.

«د. محاسن» أشارت إلى أن عملية إنتاج هجين تحتاج إلى وقت ومجهود وعمالة بشرية كثيفة، لذلك ترتفع أسعار الهجن ومثال على ذلك بيع بذرة الفلفل الحلو الواحدة بقرابة الـ5 جنيهات خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع الاعتماد على الاستيراد وتراجع دور شركات البذور في إنتاج الهجن بعد استنباطها من المربين فأصبح من السهل الحصول على توكيل بذور من الخارج وبيعها في مصر.

وكشفت أنه هناك تجارب يجريها القسم خلال الفترة الأخيرة للعمل على إنتاج صنف طماطم يتحمل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها الشديد في نفس الوقت ليمثل الحل أمام فترة فاصل العروات التي يقل فيها الإنتاج لعزوف الفلاحين عن الزراعة في تلك الفترة التي لها مخاطرها الكبيرة، وهي الفترات بين يوليو وأغسطس والتي تشهد أعلى درجات الحرارة وفترة ديسمبر ويناير التي تشهد انخفاض الحرارة لأدنى المعدلات، وفي الحالتين يلعب تطرف درجة الحرارة بالارتفاع أو الانخفاض دورا رئيسيا في تساقط الأزهار التي من المفترض أن تتحول إلى ثمار، ونعمل في الوقت الحالي على تلك التجارب على أمل الوصول لنتائج مرضية.

«العمل على إنتاج الهجن ليس بالأمر الهين» حسب قول الدكتورة محاسن عبد الحكيم، وضربت مثالا بإنتاج قسم تربية الخضر لهجين كنتالوب يثرب 7 والذي استغرقت عمليات تجاربه 11 سنة حتى تم اعتماده وتسجيله في 2007 بعد بدء العمل عليه منذ عام 1996، وعملية التسجيل لا تتم إلا بعد مضاهاة الصنف الجديد مع الأصناف الأجنبية وإثبات تفوقها عليها أو مساواتها لها على الأقل في الصفات الوراثية، وهو ما دفع المزارعين للثقة بنا وحجز تقاوي من كافة الأصناف بشكل سنوي رغم محدودية الإنتاج من 90 صوبة فقط نصدر منهم أيضا لدول الكوميسا التي أقبلت على الأصناف التي أنتجناها بعد تجربتهم لها.

البحث العلمي
وبالعودة إلى الدكتور صلاح محمدين، أكد أن البحث العلمي ليست وظيفته إنتاج البذور، لكن التوصل إلى الهجن الجيدة واختبارها وتسجيلها ثم تتولى الشركات الخاصة أو العامة إنتاج تلك الهجن من بذور الأساس الواردة من المربي، ونحن نضطر لعمل تلك المهمة في قسم تربية الخضر لتوفير ميزانية للعمل، ونأمل أن تكون هناك شركة حكومية بإمكانات كبيرة لإنتاج البذور كما كانت نوباسيد (شركة النوبارية لإنتاج البذور) والتي كان بمقدورها أن تكفي مصر من البذور وتغطي أفريقيا والشرق الأوسط، لافتًا إلى أن القطاع الخاص يجب أن يبدأ أيضا في إنتاج البذور بدلا من الاكتفاء بالاستيراد.

وأوضح أنه لتكتفي مصر من هجن الخضر بنسبة 5% فقط نحتاج إلى 2350 صوبة زراعية، ويمكن بعد ذلك أن نضاعف الإنتاج وهناك خطة أعددتها بخصوص هذا الأمر، وإذا أرادت الدولة العمل عليها فيجب أن تؤسس برنامجا قوميا لإنتاج التقاوي يتولى الاستنباط والإنتاج، ويكون هناك تحالف بين شركات القطاع الخاص والعام مع هذا البرنامج لتغطية مصر بالهجن.

في ذات السياق.. كشفت مصادر مسئولة بوزارة الزراعة أن ميزانية برنامج إنتاج تقاوي هجن الخضر تبلغ 180 ألف جنيه، مشيرة إلى أن المبلغ غير كاف ليقوم البرنامج بإنتاج المزيد، وموضحًا أن «وزير الزراعة الدكتور عز الدين أبو ستيت يولى اهتماما كبيرا لتطوير اعمل على إنتاج الهجن المتميزة في الفترة المقبلة».
الجريدة الرسمية