التعيين في الوظائف القضائية.. والتحريات الأمنية
اجتياز مقابلة اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظائف القضائية شرط لازم يضاف إلى شروط التعيين المنصوص عليها في القانون، التي تنحصر في التمتع بجنسية جمهورية مصر العربية، والحصول على إجازة الحقوق، وعدم صدور أحكام من المحاكم أو مجالس التأديب في أمر مخل بالشرف ولو رد إليه اعتباره بالإضافة إلى حسن السمعة وطيب السيرة.
ولجنة المقابلات التي تضم شيوخًا لرجال القضاء غير مقيدة في اختيار المتقدمين سوى بمدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية للمتقدمين إليها، فهي لا تتقيد بأي اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات والعناصر الدالة على توافر أو عدم توافر تلك الأهلية، وأن سلطتها في الاختيار تكون سلطة تقديرية لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة، لأن ممارسة السلطة التقديرية في مجال التعيين في الوظائف القضائية سيظل على وجه الدوام واجبًا يبتغي الصالح العام باختيار أكفأ العناصر وأنسبها.
وبالطبع هذا أمر سيبقى محاطًا بإطار المشروعية التي تتحقق باستهداف المصلحة العامة دون سواها، ويأتي ذلك بالتمسك بضرورة توافر ضمانات شغل الوظيفة والقدرة على مباشرة مهامها وإرساء العدالة دون ميل أو هوى، وأن تلك السلطة التقديرية هي وحدها التي تقيم الميزان بين كل من توافرت فيه الشروط العامة المنصوص عليها في القانون بشأن شغل الوظائف القضائية، وبين فاعلية مرفق القضاء وحسن تسييره حيث لا يتقلد وظائفه إلا من توافرت فيه الشروط العامة ذاتها السالف ذكرها.
ويكون المرشح للتعيين في الوظيفة القضائية من حاز الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل، ومن ثم إذا أتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص مدى أهليته في تولي الوظيفة القضائية، والمشكلة من قمم الجهة أو الهيئة القضائية، التي تقدم لشغل وظائفها فإنها لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الصادر بتخطيه في التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف عن المصلحة العامة..
وعندئذ يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب حيث لا يجوز للمحكمة أن تحل نفسها محل اللجنة في إعمال معايير وضوابط استخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، وإلا ترتب على ذلك إهدار كل قيمة لعمل لجان المقابلة وحلول المحكمة محلها بناء على ضوابط يضعها القاضي، ليُحدد على أساسها مدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة وتلك النتيجة يأباها التنظيم القضائي.
كما يتعين أن يترك لأعضاء تلك اللجنة (لجنة المقابلات) بما أوتوا من حكمة السنين التي رقت بهم وظائف القضاء حتى بلغت منتهاها، وأصبحوا شيوخًا لرجال القضاء أن يتبينوا عمق شخصية كل متقدم لشغل الوظيفة القضائية لاستخلاص مدى توافر الشروط التي يتعذر على الأوراق والشهادات أن تثبتها أو تشير إليها لاختيار أفضل العناصر لتولي الوظيفة القضائية، التي تتطلب في شاغلها فضلًا عن الكفاءة العلمية أعلى قدر من الحيدة والنزاهة والتعفف والاستقامة والبعد عن الميل والهوى والترفع عن الدنايا والشبهات.
وتلك اعتبارات وعناصر يتعذر على الشهادات الإدارية أن تنطق بها، كما يتعذر على القوانين واللوائح أن تضع لها قيودًا وضوابط يمكن التقيد بها، ولذلك توضع مسئولية اختيار العناصر المناسبة لشغل تلك الوظائف أمانة في عنق شيوخ رجال القضاء يتحملونها أمام الله وضمائرهم، حيث لا معقب عليهم في ذلك من القضاء ما لم يقم الدليل صراحة على الانحراف بالسلطة أو التعسف في استعمالها تحقيقًا لأهداف خاصة.
ويعلم الجميع أن العمل جرى في الجهات والهيئات القضائية عند التعيين في أدنى درجات الوظائف القضائية بها أنه لا يتم إجراء التحريات الأمنية على المتقدمين لشغل تلك الوظائف، إلا لمن اجتاز المقابلة الشخصية التي تجريها الجهة أو الهيئة القضائية بنجاح، لعدم شغل الجهات الامنية بأمور لا جدوى من ورائها.. وللحـديـث بـقـيـة.