خصخصة الوزير المجاني
حالة من السخط وخيبة الآمال تبدو ملاحقة لكل تصريح يخرج به الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، والتي دائمًا ما يحاول خلالها أن يكشف عن نواياه المبيتة في القضاء على مجانية التعليم، التي من وجهة نظر سيادته السبب الرئيسي في تراجع مستوى التعليم بمصر، وكأن «أولاد الغلابة» لا حق لهم في تعليم آدمي، إلا من خلال إنفاق آلاف في كل فصل دراسي بمختلف المراحل التعليمية.
رسائل أراد كل من يطالع تصريحات معالي الوزير أن يوصلها إليه، جميعها تدور في إطار سؤال وحيد.. «كيف لوزير استفاد طوال سنوات تعليمه من مجانية التعليم، أن يحرم أولاد الغلابة من حقهم في التعليم المجاني».
ألم يكن معالي الوزير على دراية بما ينفقه رب الأسرة شهريًا على أولاده خلال العام الدراسي، من كتب دراسية وخارجية ودروس ومواصلات تكون في بعض الأحيان غير آدمية، خاصة في القرى والنجوع، ألم يكلف الوزير نفسه بالنزول لإحدى القرى أو النجوع النائية في صبيحة يوم، ويطالع وجوه التلاميذ حاملي الثقل المدرسي على ظهورهم، وكم من تلميذ يلجأ لسيارات «الكبوت» أو «التروسيكل» الذي يطلقون عليه في بعض المحافظات «البوحة» -لو كنت سيادتكم على علم بذلك المصطلح-.
هل ترى أن الطالب الذي يلجأ لسيارة أجرة لا تتعدى تعريفة ركوبها الجنيهات الثلاثة، لدى ولي أمره من الرفاهية ما يجعله يدفع الآلاف؟!
جاءت كلمة الدكتور طارق شوقي خلال اجتماع لجنة المشروعات الصغيرة بالبرلمان حول دعم التعليم الفني، فقال: «مجانية التعليم تحدد قدرتنا على الحركة، اللي كتب الكلام دا عام 1952 مكنش يعرف إن مصر هيبقي فيها هذا العدد من السكان، إزاي عندنا إصرار نعلم الخايب الشاطر زي بعض، وأنا بسأل اللي بيتكلموا عن العدالة الاجتماعية في هذه النقطة، يعني إيه عدالة اجتماعية، هل أضيع الكل لما أدي للشاطر زي الخايب، لأ أنا مش مع هذا النوع من العدالة ولا مؤمن بيها، فكرة العدالة المبسطة دي فيها ظلم فاحش، ظلم اجتماعي متساوي، فَلَو انتوا عاوزين تصلحوا بجد، لازم تناقشوا هذه الأفكار».
ردًا على تلك الجزئية سيادتك تحدثت عن العدالة المبسطة التي لا تؤمن بها، فما هي العدالة التي ترى أنها واجبة التنفيذ خلال الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد اقتصاديا وسياسيًا واجتماعيًا؟!
واستكمل شوقي خلال نفس الجلسة كلمته قائلًا: «مجانية التعليم مينفعش تتساب بدون نقاش، لازم تناقشوه، لو فضلنا عايشين كدا نبقي بنضحك على نفسنا، هنفضل عايشين كده لإمتى، ثم مفيش مجانية، اللي بيدفع الفاتورة الدولة والأهالي، الفاتورة اللي بندفعها مع بعض 200 مليار جنيه، ومش بتروح في المكان الصح، والناس ممكن تدفع لأي حد إلا الحكومة، ثم سؤال للي بيقول لنفسه ملك الكيمياء، مين اللي خلاك ملك الكيمياء معاك شهادة بتقول كده؟».
وهنا أقول لدكتور طارق شوقي: حينما تتحدث عن المجانية، وإنها مسألة لابد من مناقشتها لتطوير التعليم من وجهة نظرك، عليك أولا أن تدرس طبيعة من يطبق عليهم النظام، فكم من رب بيت لا يملك من قوت يومه إلا الجنيهات القليلة لا تكفي حتى لشراء وجبة تناسب أسرة من محدودي الدخل، ويفاجأ بنجله، يطالبه بأحد المستلزمات الدراسية، ليقتطع رب البيت من قتات بيته ليعلم نجله، أما الفاتورة التي تحدثت عنها سيادتكم ليس بمقدور معدومي الدخل ممن يعيشون تحت خط الفقر أن يشاركوا في دفعها، فالأولى بك أن تقتطع جزءًا ولو بسيط من فاتورة المدارس الدولية والـ «مالتي ناشيونال»، هؤلاء لديهم القدرة على الدفع، ولكن ليس لديهم الاستعداد.
وحينما تحدث وزير التعليم عن تذكرة الحفلات الغنائية التي لا يعلم بوجودها متوسطي الدخل من الأساس، قائلًا: «حفلة عمرو دياب وصلت لـ 20 ألف جنيه للتذكرة، واحنا مش لاقيين فلوس نطور بيها التعليم، ولما نتكلم عن مجانية التعليم وضرورة إعادة النظر في المصطلح، الناس ممكن تحدفنا بالطوب، الرئيس نفسه كان بيقول هنحل مشكلة الكثافة إزاي».
فأقول لسيادة الوزير: كيف واتتك القوة لأن تعمم مرتادي حفلات عمرو دياب التي وصلت تذكرتها لـ 20 ألف جنيه، بتلك الشريحة التي تتحدث عن مجانية التعليم، بالله عليك يا سيادة الوزير هل هذا كلام منطقي، لأن من يدفع هذا المبلغ في حفلة لأي مطرب لن يطالب بمجانية التعليم.
سيدي الوزير انت تتحدث عن طبقة مرفهة وتريد أن تحرم البسطاء من حقوقهم، وتعاقبهم على رفاهية الأغنياء، هل هذا منطق؟!
وآخر ما أود أن أوجهه للدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، مجرد سؤال.. لمَ تريد أن تحرم الناس مما استفدت أنت منه.. ألم تكن حاصلًا على درجة بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة القاهرة عام 1979.. أليست جامعة القاهرة التي تخرجت فيها إحدى الجامعات الحكومية المطبق عليها مجانية التعليم؟!