اختلال منظومة القيم تجاه العدو الصهيوني!
العلاقة بين مجتمعاتنا العربية والعدو الصهيوني علاقة تاريخية تجاوزت قرنا من الزمان، وارتبطت تلك العلاقة بمنظومة القيم التي تشكلت عبر التفاعلات الاجتماعية بين الطرفين، ففي الوقت الذي نشأت فيه فكرة قيام وطن قومى لليهود وتم الاستقرار على أن يكون هذا الوطن هو فلسطين العربية، بدأت العلاقة تتكون وبدأت منظومة القيم تتشكل.
وإذا كانت الفكرة الصهيونية الأساسية تتركز على اقتلاع شعب من أرضه حتى يتمكن اليهود من جمع شتاتهم عبر الاستيطان في هذه الأرض الجديدة، فهذا يعني أن القيمة الناتجة عن عملية الاقتلاع ستكون هي العداء المطلق.
وبالفعل بدأت عملية التهجير القسرى للشعب العربي الفلسطينى وبشكل ممنهج منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتعد هذه العملية من أكثر عمليات انتهاك حقوق الإنسان في تاريخ البشرية، لذلك لا عجب أن تتشكل منظومة قيم عدائية تجاه هذا العدو الصهيونى المغتصب للأرض، والتي تعرف في الثقافة العربية التقليدية بأنها "عرض"، وبالطبع وجد العدو الصهيوني في القوى الاستعمارية ضالته المفقودة، حيث ساعدته ومكنته من عمليات التهجير القسرى مما مكنه من إعلان دولته المزعومة قرب منتصف القرن العشرين.
وفى أعقاب إعلان الدولة المزعومة للعدو الصهيونى كان الصراع العربي معه قد بدأ، حيث تحركت ستة جيوش عربية للدفاع عن الأرض العربية الفلسطينية المغتصبة في عام 1948، وكانت هزيمة الجيوش العربية بداية جديدة لترسيخ قيم العداء لهؤلاء الصهاينة ليس فقط على المستوى الشعب الفلسطيني بل على مستوى الشعب العربي بكامله من المحيط إلى الخليج، ومما زاد ووسع رقعة العداء هو مشاركة العدو الصهيوني في العدوان الثلاثى على مصر في عام 1956.
ثم كان التحرك الأكبر لتوسيع رقعة العداء وترسيخه داخل منظومة القيم العربية بالعدوان الجديد في 5 يونيو 1967، حيث نالت الأمة العربية هزيمة جديدة في مواجهة العدو الصهيونى، وتم اغتصاب أرض عربية جديدة في فلسطين ومصر وسورية والأردن ولبنان وهى دول المواجهة مع العدو الصهيونى، وبذلك تأكدت الفكرة الصهيونية التاريخية والتي تتجسد في مقولة "دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات"، وهى العبارة المسجلة فوق باب الكنيست والتي تجسد الأطماع الصهيونية في الأرض العربية.
وتحت ضغط الشعب العربي الغاضب خاضت مصر وسوريا وبدعم عربي شبه كامل حرب أكتوبر 1973، حيث تمكنت ولأول مرة من هزيمة العدو الصهيونى، الذي قرر بعدها اتباع سياسة جديدة يسعى من خلالها لإنهاء الصراع العربي معه، وإحلال سلام مزعوم عبر تسويات عربية منفردة، وهنا جاءت كامب ديفيد والتي شكلت بداية الخلل في منظومة القيم العربية في مواجهة العدو الصهيوني، حيث بدأ التطبيع الرسمى مع العدو، ورغم المقاومة الشعبية إلا أنه مع الوقت بدأت تتسع دائرة المطبعين سرا ثم جهرا.
ولم تعد المسألة تطبيعا رسميا فقط بل بدأت بعض الأصوات داخل النخبة السياسية والثقافية العربية تنادى بالتطبيع مع العدو الصهيوني وهو ما ألقى بظلاله على منظومة القيم العربية تجاه هذا العدو، حيث تأثر العقل الجمعى بشكل كبير فعندما أعلن ترامب مؤخرا نقل سفارة بلاده إلى القدس لم نشهد تلك التحركات الشعبية الغاضبة التي كانت تنفجر في مواجهة أي فعل عدائي يقوم به العدو الصهيونى ضد مجتمعاتنا العربية، بل أصبح هناك من يرى زيارات ومقابلات المسئولين الصهاينة أمرا عاديا لا يستدعى الغضب.
لكن على الرغم من هذا الخلل الواضح في منظومة القيم العربية في مواجهة العدو الصهيونى منذ كامب ديفيد حتى الآن إلا أننا نستطيع التأكيد على أنه ما زال هناك قطاع كبير داخل الشارع العربي يتمسك بمنظومة القيم العدائية تجاه العدو الصهيوني، ويدعم محور المقاومة للاستمرار في عمليات المواجهة لإيمانه بأن حالة السلام لا يمكن أن تتحقق مع هذا العدو إلا بانسحابه من كامل الجغرافيا العربية، وهو ما لا يمكن أن يقوم به العدو طواعية بل عبر مواجهة عسكرية شاملة.
لذلك يجب أن ندعم قيم العداء ونعيد ترسيخها داخل العقل والضمير الجمعي العربي تجاه العدو الصهيونى، ونكشف زيف ادعاءات تيار التطبيع السياسي والثقافى والاقتصادى والاجتماعى مع العدو الصهيونى سواء كان رسميا أو غير رسمي والذي يرفع راية السلام المزعوم، وهو التيار الذي ترسخ منذ كامب ديفيد وحتى اليوم واستطاع عبر السنوات الأخيرة أن يكسب أرضية واسعة لدى الأجيال الشابة.
ولابد من العودة لرفع نفس الشعارات التي رفعها الزعيم جمال عبد الناصر "لا صلح لا تفاوض لا اعتراف"، و"ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، بل ومواجهة كل الذين ينادون بالسلام المزعوم مع العدو الصهيونى أن البندقية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي في مواجهة العدو الصهيونى، ومن يرى غير ذلك فإنها يسعى إلى خدمة المشروع الصهيوني، ومن يرى عدم قدرتنا على مواجهة العدو الصهيونى فعليه أن ينظر فقط للمقاومة اللبنانية البطلة والشجاعة التي يرتعد منها العدو الصهيونى ويخشاها ويعمل لها ألف حساب، اللهم بلغت اللهم فاشهد.