رئيس التحرير
عصام كامل

حديث الإفك.. من الإسرائيليات (2)


قلنا في المقال السابق إن حديث الإفك من أهم وأخطر الأحاديث التي تركت الإسرائيليات أثرها عليها، ونحن، مع شديد الأسف، صدقنا تلك الروايات، ومضينا نحفظها ونحفظها لأبنائنا، دون تروٍ أو تفكير، أو استشارة المنطق. فالرواية واضحة التلفيق، وجلية الافتراء على رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أهله. والثغرات فيها واسعة، سنوضحها بين ثنايا الرواية، ونضع بعضها بين أقواس.


واستعرضنا ما روته كتب الحديث بهذا الشأن، ونستكمل:
قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبيّ بن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي (هل صدق كلام الجارية، فاسترد ثقته في زوجه؟! أستغفر الله)..

فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه التابعين، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت، لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن الحضير فقال: كذبت لعمر الله والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين.

فثار الحيان؛ الأوس والخزرج، حتى هموا ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت.. (من حكى للسيدة عائشة كل تلك التفاصيل؟! وماذا تعني؟! إنها لا تعني سوى أن المسلمين نسوا، في لحظة، كل تعاليم النبي التي لقنهم إياها، وغرسها فيهم، وكل مقتضيات الأدب في حضرته، صلى الله عليه وآله وسلم. كيف والقرآن يحذر من مجرد رفع الصوت في وجوده؟!).

(وهل كان من الممكن أن يُقْتل ابن سلول، ولما ينزل الوحي بعد، وتثبت براءة عائشة؟!).

وبكيتُ يومي، لا يرقأُ لي دمعٌ، ولا أكتحلُ بنومٍ فأصبحَ عندي أبواي قد بكيت ليلتين ويومًا حتى أظنُّ أن البكاء فالق كبدي. 

قالت: فبينا هما (أبواها) جالسان عندي، وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحاصل، ولم يجلسْ عندي من يوم قيل فيَّ ما قيل قبلها وقد مكث شهرًا لا يوحى إليه في شأني شيء. (هل أراد الله، تعالى، أن يعذبه ويعذبها؟! ولماذا؟! وهل فقد الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، ثقته في زوجه بتلك البساطة؟!).

قالت: فتشهدَ، ثم قال: يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئةً فسيبرِّئُك اللهُ وإن كنت ألممتِ بشيء فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، (هذا يعني أنه، صلى الله عليه وآله وسلم، شكَّ في براءتها).

فلما قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مقالته قلص دمعي، حتى ما أحس منه قطرة رجاء لأبي أجب عني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فيما قال قالت والله ما أدري ما أقول لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن فقلت: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني لبريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله..

فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه الوحي فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي يا عائشة أحمدي الله فقد برأك الله، فقالت لي أمي قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، فأنزل الله تعالى "إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم"، الآيات.

فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، (هل الترضية من متن الحديث؟!)، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة، فأنزل الله تعالى: "ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة"، إلى قوله "ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم"..

فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: يا زينب ما علمت ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيرا، قالت: وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع.

قال: وحدثنا فليح عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة وعبد الله بن الزبير مثله قال وحدثنا فليح عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ويحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر مثله.
الجريدة الرسمية