حديث الإفك.. من الإسرائيليات (1)
حديث الإفك من أهم وأخطر الأحداث التي تركت الإسرائيليات أثرها عليها، ونحن، مع شديد الأسف، صدقنا تلك الروايات، ومضينا نحفظها ونحفظها لأبنائنا، دون تروٍ أو تفكير، أو استشارة المنطق؛ فالرواية واضحة التلفيق، وجلية الافتراء على رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أهله. والثغرات فيها واسعة، سنوضحها بين ثنايا الرواية، ونضع بعضها بين أقواس.
يكفي أن القرآن الكريم لم يصرح باسم بطلة الحادثة، ولم يكشف عن شخصيتها، حتى وضع الواضعون روايات باسم السيدة عائشة، ودسوها على كتب الصحاح، ربما في طبعات تالية للمخطوطات الأصلية.
تروي كتب الصحاح:
حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود، وأفهمني بعضه أحمد بن يونس (العبارة غريبة) حدثنا فليح بن سليمان، عن بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها منه.
قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم أوعى من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضا، زعموا أن عائشة قالت: ثم كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه (هل كان كل أفراد الجيش تخرج معهم نساؤهم؟!)، فأقرع بيننا في غزاة غزاها (لم تذكرها)، فخرج سهمي فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب فأنا أُحمل في هودج وأنزل فيه..
فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل (لماذا كان يصطحب الرسول زوجه إذا لم يكن يقيم معها؟!)، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه (هل سارت مسافة كيلومترات لدرجة أنها لا تسمع ولا ترى تحركاتهم؟!)..
فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل، وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منزلهم..
وليس فيه أحد فأممتُ منزلي الذي كنت به فظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليَّ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمتُ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح ثّمَّ منزلي فرأى يخلو إنسان نائم، فأتاني وكان يراني قبل الحجاب، (ما فائدة العبارة؟!)، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته فوطئ يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة فهلك من هلك..
وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا يفيضون من قول أصحاب الإفك، ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي، صلى الله عليه وسلم، اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض، (حاشا لله أن يتغير قلب رسول الله نحو زوجه بسبب كلام غير حقيقي.. نحن نقتدي به في حسن الظن بالأزواج، وطيب المعاملة)، إنما يدخل فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت..
فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع متبرزنا، لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم (لم يرد ذكرها إلا هنا)، نمشي، فعثرت في مرطها، فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا؟ فقالت يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي (وكانت قد نقهت)..
فلما رجعت إلى بيتي دخل عليَّ رسول الله، فقال كيف تيكم، فقلت ائذن لي إلى أبويَّ، قالت وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، (وهل لم يكونا يزورانها وهي مريضة؟!)، فأذن لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأتيت أبويَّ، فقلت لأمي ما يتحدث به الناس، فقالت: يا بنية هوني على نفسك الشأن، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة ثم رجل يحبها، ولها ضرائر (وهن لم يتحدثن في حقها!)، إلا أكثرن عليها..
فقلت: سبحان الله، ولقد يتحدث الناس بهذا، قالت: فبت الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحتُ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما (هل من المصدَّق أن يستبدل الرسول بالوحي اثنين من أصحابه؟!) في فراق أهله، (وهل تأخر الوحي إمعانًا في الغموض، أم زيادة في شدة تعذيب عائشة؟!)..
فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال أسامة أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرا، وأما على بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك (هنا أيضًا غرابة لأن أسامة يعلم ما يكن لأهله من الود، أفلا يعلم عليٌّ ذلك؟! وألم يسأل رسول الله الجارية كل هذا الوقت؟!)، (ومن أبلغ عائشة بقول على إذا كان ضدها، وأوقع بينهما إلا إذا كان باحثًا عن مبرر للخصومة التي ظهرت واضحة في قتالها له بعد مقتل عثمان؟!)..
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بريرة، فقال: يا بريرة هل رأيت فيها شيئا يريبك؟ فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحقِّ، وإن رأيت منها أمرًا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الداجن فتأكله.