تطبيع «اللايك والشير».. تل أبيب تخترق حسابات الشباب العربي بـ «نيوميديا»
من باب السياسة استطاع الكيان الصهيوني (إسرائيل) المرور إلى الداخل العربي، فـ«تل أبيب» التي تدرك جيدًا أن الشعوب العربية ترفض وجودها بشكل قاطع في المنطقة، وجدت في اللقاءات السياسية التي يجريها قادتها مع نظرائهم العرب الفرصة الذهبية لإبقاء أبوابها مع العرب «مواربة»، في خطوة لفرض وجودها وطمعًا في الحصول على قبول شعبي عربي مستخدمة شتى الوسائل المتاحة بين أيديها لتحقيق هذا الغرض.
السلاح الصهيوني الناعم لجأت إليه إسرائيل في محاولة منها لتقليل حدة رسالة الشعوب العربية التي تؤكد أنه لا تطبيع مع الاحتلال، الذي يشمل المواقع والصفحات الإسرائيلية التي تخاطب الشباب العربي بلغته وتدس له السم في العسل، استغلال ملكات جمال العرب عبر تداول صورهم مع الإسرائيليات وكذلك البطولات الرياضية، وغير ذلك من أساليب الدعاية «البروباجندا» الإسرائيلية.
«إعلام الاحتلال» استغل بشكل مبالغ خلال الأيام الأخيرة اللقاءات العلنية التي جمعت مؤخرًا بين الدول العربية وإسرائيل، سواء التي كانت تهدف إلى بحث عملية السلام في الشرق الأوسط كما جرى في سلطنة عمان التي استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو الشهر الماضي، أو اللقاءات الرياضية التي تفرضها الاتحادات الرياضية الدولية على الدول المستضيفة للمسابقات الدولية على أراضيها، كما حدث في الخليج قبل أيام، وأراد الاحتلال جني مغانم من تلك اللقاءات رغم أنها فرضت في ظل ظروف معينة وأراد التهويل وتبنى خطابا مزعوما عن الجيرة والتعاون.
موقع «مكور ريشون» أفرد مساحة واسعة للحديث عن تداعيات زيارة «نتنياهو» إلى سلطنة عمان وكيفية استغلال تل أبيب لها بهدف فتح المجال أمام التطبيع الرسمي بين إسرائيل وجميع الدول العربية، كاشفًا عن أن ذروة المحاولات الإسرائيلية للتقارب من السلطنة ومنها إلى بقية الدول العربية كانت في أبريل من العام الماضي، حينما بدأت إسرائيل بالترويج لمشروع ما يسمى «قطار السلام» وهو برنامج لتأسيس خطوط سكك حديدية تربط إسرائيل بالدول العربية تحت مزاعم السلام الإقليمي.
وزعم التقرير أن زيارة رئيس وزراء إسرائيل إلى «مسقط» كانت بمثابة بالون اختبار، يهدف إلى مشاهدة رد فعل الشارع العربي على إقامة علاقات علنية مع إسرائيل مقابل صفقة مع الفلسطينيين، في المقابل أكد «نتنياهو» عقب الزيارة أن العائق أمام التطبيع بالمنطقة هو الشعوب وليس القادة، وهذا يتناقض مع السمة الغالبة على خطاباته خلال السنوات الأخيرة، التي تعتمد على مزاعم أن الخوف من إيران والتطرف يقود الدول العربية وشعوبها إلى أن تصبح حليفة لإسرائيل، حتى دون دخول تل أبيب في مفاوضات مع الفلسطينيين.
كما زعمت تقارير إعلامية عبرية أن إسرائيل في طريقها إلى التطبيع التدريجي مع العرب أنه حان الوقت للتعامل مع إسرائيل بنهج مختلف، مشيرين إلى أنه رغم توقيع إسرائيل اتفاقيتي سلام مع الأردن ومصر أنتجتا حدودًا مستقرة إلا أن الاتفاقيتين ظلتا لعقود طويلة تحالفًا دبلوماسيًا فقط وليس شعبيًا لكن الفرصة الآن بحسب الإعلام الإسرائيلي سانحة لتغيير نموذج العلاقات مع الدول العربية لتشمل الشعوب العربية وهذه مهمة إسرائيل.
على الجانب الآخر.. كشف المستشرق الإسرائيلي، جيا باخور، في لقاء تليفزيوني إسرائيلي عن الوجه الحقيقي للمخطط الصهيوني الذي يعتمد على نجاح فرص التطبيع في ظل انهيار الدول العربية وليس حبًا في التعاون والجيرة مع العرب كما يدعي نتنياهو، إذ يقول إن العقد الأخير انهارت الدول العربية وانشغلت في مشاكلها الداخلية وصراعات السنة والشيعة وفي المقابل تعاظمت قوة إسرائيل، مؤكدًا أن اختيار نتنياهو لسلطنة عمان مناسب لإسرائيل لأنها دولة ليست سنة وليست شيعة إنما وسط، مؤكدًا أن بلاده تلعب بين السنة والشيعة، وأنه من خلال عمان يمكن لإسرائيل إرسال رسائل لإيران، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن زيارة نتنياهو لم تواجه أي تظاهرات أو أعمال عنف في العالم العربي ضد الزيارة لأن العرب مدمرون ومنهكون وليس لديهم قوة وهذا جيد لإسرائيل!!.
على الجانب الآخر قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس: «التطبيع الشعبي بين إسرائيل والدول العربية لن يحدث رغم مساعي إسرائيل وطرقها الملتوية لتحقيق ذلك، لأن الرهان دائمًا على الشعوب، والدليل على أنه بعد أكثر من 40 عامًا على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لا يزال هناك رفض شعبي مطلق للتطبيع مع الاحتلال، كما أن خلال زيارة نتنياهو إلى سلطنة عمان تمت مقابلته برفض شعبي أيضًا رغم ما كشف عن الزيارة أمام وسائل الإعلام».
وأضاف: "نحن نتحدث عن احتلال استغل السنوات الماضية التي تلت ما سمي بالربيع العربي، وهو للأسف كان خريفا عبريا أدى إلى رفع قيم الصراع في المنطقة بدعم من الحركة الصهيونية والقوات العسكرية الإسرائيلية خاصة في سوريا.
وحول الدور الذي تلعبه إسرائيل لمحاربة عقول الشباب العربي، أوضح «الرقب» أن الاحتلال منذ أن وضع قدمه في المنطقة ومعه أدوات للتغيير والتأثير على شعوب المنطقة وللأسف هناك العشرات من المواقع والقنوات الناطقة باللغة العربية موجودة بأشكال مختلفة تشمل الفن والرياضة والسياسة موجهة للمنطقة العربية، والبعض يستقبلها بطريقة عادية، ويوجد اليوم «سوشيال ميديا» وهذا العالم المنفتح على التكنولوجيا جعل من السهل أن تصل إسرائيل لكل بيت، وهناك وحدة خاصة اسمها "104" مخصصة لمجال العمل الإلكتروني في المنطقة العربية، ونلاحظ في السنوات الأخيرة تشويه صورة الإسلام وأيضًا الديانات الأخرى عبر أذرعها الإلكترونية، خاصة أن إسرائيل تريد إشعال الصراع في المنطقة لكي تتغنى بأنها دولة ديمقراطية في منطقة بها دول غير ديمقراطية، هم يريدون تصوير أن الاحتلال فقط هو الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
وشدد، أستاذ العلوم السياسية، على أنه ضد السماح بزيارة الشعوب إلى القدس كما يتحدث البعض هذا ليس زيارة السجين كما يفسرها حتى رئيس السلطة الفلسطينية، عباس أبو مازن، لأن ذلك برأيي هو شكل آخر للأسف من التطبيع والاحتكاك بين الشعوب العربية والاحتلال، وهناك بعض من زاروا فلسطين كان لهم ردة فعل عكسية لأن من يسافر إلى فلسطين سيجد جزأين الأول ما يسمى إسرائيل وهو عبارة عن قطعة من أوروبا بمعنى الكلمة ليس فقط لأن أرض فلسطين تضاريسها جميلة، إنما لوجود إمكانيات مالية تضخ بالمليارات لصالح هذا الجزء لتصبح جميلة من خلال الشوارع والمباني، وبالتالي يصدم كثيرون أمام نظافة هذه الشوارع، ويقول هذا الشعب يستحق هذه الدولة، في حين أن هناك شقا آخر من فلسطين في القدس والضفة الغربية أو حتى قطاع غزة يظهر به الشوارع والمباني المهدمة والقمامة في الشوارع والكثير من القضايا التي تحبط العين وبالتالي من يسافر إلى هناك يحكم أن هذا الشعب لا يستحق هذه الدولة وأن اليهود هم الذين يستحقوها وهو لا يدرك أن هذا بسبب الاحتلال والوضع المالي الصعب للفلسطينيين.
أما عن حديث نتنياهو وقادة الاحتلال المستمر عن الجيرة والتعاون، أوضح «الرقب»، أنه نابع من يقين الاحتلال أنه جسم منبوذ داخل المنطقة العربية، قرابة 5 إلى 6 ملايين يهودي يعيشون داخل منطقة عربية ترفضهم سواء رفض ديني أو جغرافي، يدركون أنهم موجودون كخنجر في ظهر منطقة عربية ترفضهم بشكل مطلق، وبالتالي يرون أن هناك ضرورة إلى طمأنة العرب وأنهم لا يريدون محاربة العرب وإنشاء إسرائيل الكبرى، في حين أنه حتى هذه اللحظة لا يزال يوجد في التلمود أن «العربي الجيد هو العربي الميت»، وفي بعض الشوارع بالقدس توجد شعارات مناهضة ويكتب عليها يمنع دخولها من قبل العرب، أي إنه يوجد عداء مطلق ضد العرب وليس الفلسطينيين فقط، حتى النشيد الوطني الإسرائيلي الذي يسمى «هتكفاه» أو «الأمل» هو يتحدث عن تاريخ يهودي كاتبه يكشف عن أطماع يهودية في كل المنطقة العربية.
وأكمل: هناك وقاحة من نتنياهو الذي يتحدث عن علاقات مع 12 دولة عربية جزء كبير منها في السر ويطمح في زيادة هذا العدد، كما أنه هو رأس العنصرية في تل أبيب يرأس حكومة يمينة متطرفة ترفض العرب وليس فقط الفلسطينيين لذلك فكرة استقباله في الدول العربية هي مأساة في حد ذاتها، وإن كان إجبار على الدول العربية استضافة الفرق الرياضية الإسرائيلية، وأنا أرى أن عليها أن تربط النشاط الرياضي بالعمل السياسي، مبادرة السلام التي أطلقها العرب عام 2002 قال عنها شارون إنها لا تستحق الحبر الذي كتبت به.
«الرقب» شدد على أنه يعول على الشعب العربي لأنه واع، وفي الوقت يؤكد أن التغيير لا يتم إلا بالقوة وللأسف القوة غابت عن المنطقة، لكن لا بد أن يدرك العرب أن إسرائيل ما زالت تسعى لتحقيق هدف «من النيل إلى الفرات» وهي الخارطة التي ما زالت موجودة في الكنيست الصهيوني حتى اليوم.
من جهتها قالت الدكتورة رانيا فوزي، المتخصصة في دراسات الإعلام العبري: إسرائيل توظف وسائل إعلامها الموجهة باللغة العربية وصفحاتها الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي لاختراق الشباب العربي لمحاولة استقطابه وجره للدخول في حوار معهم، من دون أن يدرك أنه وقع في فخ التطبيع، وهناك وحدة جديدة بالجيش الإسرائيلي تم استحداثها مؤخرًا تسمى وحدة «النيو ميديا» مسئولة عن متابعة حسابات الشباب العربي وتحليل كل ما يرد في تغريداتهم وتعليقاتهم حول الشأن الداخلي لمعرفة السبيل إلى اختراقهم، فضلًا عن وجود وحدات متخصصة في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية شغلها الشاغل دراسة أوضاع العالم العربي ودراسة الشخصية العربية عامة والمصرية خاصة للتعرف على نقاط ضعفها ومصادر قوتها.
وأضافت: من خلال تحليل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي تبين أن نظرة إسرائيل للمصريين والشباب العربي عامة هي نظرة سلبية في مجملها بأنهم متدنو الثقافة ولديهم ازدواجية في المعايير ويميلون إلى العنف ويأكلون بعضهم البعض، كما أن شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت السلاح الإسرائيلي الناعم لثني الشباب العربي عن التخلي عن إرث إنكار وجود الكيان الإسرائيلي بالمنطقة وكراهيته المتأصلة في عقل العرب.
«د. رانيا» أشارت إلى أن إسرائيل لا تكل ولا تمل من أجل إنجاح مخططها لتحسين صورتها أمام العالم العربي وإثارة الشك في عقول الشباب العربي حيال تاريخه وقناعته، فقبل ثورة تكنولوجيا المعلومات ودخول العصر الرقمي، كانت المحاولات الإسرائيلية لاستقطاب الشباب العربي ضيقة وتنحصر في نطاق إغراءات المال والجنس لتشجيعهم على السفر إلى إسرائيل بدعوى الانتقال إلى حياة أفضل هربًا من قلة فرص العمل بالبلاد وتردي الأوضاع الاقتصادية، وللأسف هناك فئة لا تذكر من الشباب المصري تزوجوا من إسرائيليات بعد توقيع اتفاقية السلام، وهو ما استغلته وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل أو آخر للمبالغة في أعداد هؤلاء الشباب المتزوجين من إسرائيليات الذين لا يزيد عددهم على 5 آلاف شخص، أغلبهم تزوجوا سيدات من عرب إسرائيل.
وتابعت: بعد اندلاع موجة ما تسمى بثورات الربيع العربي عام 2011 التي في رأيي أنها ثورات «الربيع العبري»، أصبحت صفحات التواصل الاجتماعي الوسيلة الأكثر فاعلية لاستقطاب الشباب، على سبيل المثال صفحة «أفيخاي أدرعي» المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للعالم العربي وكذلك صفحة إسرائيل في مصر وغيرها تستقطب العديد من الشباب المصري على وجه الخصوص، فهم للأسف لا يعلمون أنهم بمجرد تسجيلهم بالضغط إعجاب «لايك» على صفحته قد قاموا بالتطبيع وكسر الحاجز النفسي مع إسرائيل الذين يعتبرونها عدوتهم اللدودة في حين أنه يمكن متابعة تلك الصفحات دون الضغط على «لايك»، وفي ضوء تحليل الخطاب لصفحة «ادرعي» وجدنا أنه يسعى في إستراتيجيات الإقناع تارة إلى استخدام الاستمالات العاطفية بوضع صور تشير إلى إنسانية الجيش الإسرائيلي في تعامله مع الفلسطينيين في حين يسعى إلى شيطنة المقاومة الفلسطينية وتشويه صورتها، وأخرى استمالات عقلانية من خلال الاستشهاد بآيات قرآنية أو إحصاءات أو بيانات أو الاستشهاد بمعلومات في ظاهرها صحيحة عن حوادث بعينها لتوظيفها في السياق لتشكيك الشباب العربي في قناعته التاريخية.