رئيس التحرير
عصام كامل

خريطة طريق «العبور الاقتصادي».. التعويم ضاعف أوجاع الغلابة.. وخبراء: الدين تجاوز الحدود الآمنة.. التخلص من الاقتصاد الريعي وتقليل الإنفاق ضرورة.. وزيادة الإيرادات العامة طوق النجاة

طارق عامر، محافظ
طارق عامر، محافظ البنك المركزي

ديون مصر.. إلى أين وصلت داخليًا وخارجيًا؟ وإلى متى تظل مصر دولة "مديونة"؟ وهل ليست هناك حلول سوى الاقتراض؟ ومتى يخرج الاقتصاد المصري من النفق المظلم؟ هذه الأسئلة وغيرها تطرح نفسها مع كل إحصائية جديدة عن ديون مصر، الأرقام تبدو كبيرة وتبدو مزعجة، فهل ييقى الإزعاج مستمرًا؟


تقول الأرقام: إن حجم الدين المحلي ارتفع بنسبة 16.9 خلال العام المالي الماضي 2017-2018، المُقدره بنحو 534.04 مليارات جنيه ليسجل 3.695 تريليونات جنيه، كما ارتفع الدين الخارجي إلى 92.6 مليارات دولار أمريكي بنهاية شهر يونيو 2018، بزيادة نحو 13.6 مليارات دولار، بمعدل 17.2% مقارنة بنهاية يونيو 2017، وذلك طِبقًا لآخر التقارير الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري.


التقارير الرسمية تؤكد أيضًا أنه بالنسبة لأعباء خدمة الدين الخارجي، فبلغت نحو 13.2 مليار دولار خلال السنة المالية 2017-2018، والأقساط المسددة نحو 11.1 مليار دولار، والفوائد المدفوعة نحو 2.1 مليار.

وفي تصريحاته صحفية، أكد طارق عامر، محافظ البنك المركزي، أن الدين ما زال في حدوده الآمنة بالنسبة للناتج المحلي، ولا خوف من ذلك طالما قادرين على الوفاء بالتزاماتنا وسداد أعباء الديون.. فما دقة هذا التصريح؟

أزمة حقيقية

الدكتورة عالية المهدي، العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في سياق إجابتها عن هذا السؤال، قالت لـ "فيتو": نحن أمام أزمة حقيقية، وهي تخطي الدين العام لحدوده الآمنة، حيث أصبح يمثل ما نسبته 102% بالنسبة للناتج المحلي، مشيرة إلى أنه من المفترض أن يسجل الدين الخارجي نسبة لا تزيد على 60% أو 65% على الأكثر من الناتج المحلي، حتى نستطيع القول إننا في الحدود الآمنة، وما فوق ذلك يعد كارثة.

الدكتورة عالية المهدي أضافت لـ«فيتو»: الصادرات لم تحقق الأهداف المرجوة منها، على الرغم من مرور عامين على تعويم الجنيه وانخفاض قيمته بنسبة كبيرة، مؤكدة أن الحكومة ليس لديها خطة واضحة تصارح بها الشعب وتواجه بها الرأي العام.

العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أوضحت أن فاتورة الإصلاح الاقتصادي لم يسددها إلا الفقراء ومحدودو الدخل، مشيرة إلى أن تحرير سعر الصرف صاحبه الكثير من الإخفاقات، وطفحت نتائجه السلبية على السطح، أبرزها ارتفاع التضخم إلى 34%، وكساد الأسواق.

وأشارت " عالية المهدى" إلى أن أزمة الديون سببها اقتراض الحكومة الدائم، ما يراكم أعباء جديدة على الموازنة العامة للدولة، موضحة أن أعباء الديون قصيرة الأجل تزيد الأزمة تعقيدًا، فأحيانًا عندما يأتي وقت السداد، ولا تمتلك الحكومة أموالًا للوفاء بالالتزامات، فتضطر إلى الاستدانة والاقتراض بفائدة معينة قد تكون أعلى، مما يرفع من سقف الدين العام.

وأكدت أنه لحل أزمة الديون يجب السير في طريقين متوازيين، الأول: التقليل من الإنفاق العام، بتحديد الأولويات وأوجه الصرف والإنفاق المناسبة للحفاظ على ما تدخره الدولة من عملة صعبة والحرص على المال العام، والثاني: زيادة الإيرادات العامة عبر طرق عديدة من ضمنها: توسيع الحصر الضريبي، وإدخال الاقتصاد غير الرسمي لمنظومة قوانين الدولة.

وذكرت العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أننا نستطيع القول: إننا جنينا ثمار التعويم في حالة زيادة الصادرات عن الواردات، لكن حتى بعد عامين لم يحدث ذلك، وما زال العجز كبيرًا في الميزان التجاري، حيث سجل في يوليو الماضي ما نسبته 8.4% ما يعادل 4.10 مليارات دولار.


وأشارت إلى أن هناك بعض العقبات التي تجعل المستثمرين يحجمون عن الاستثمار في مصر، من أهمها: تراخيص الأراضي، مؤكدة أنه يوجد الكثير من الصعوبات التي يجب على وزارة الاستثمار العمل على حلها.

بيانات المؤسسات الدولية

بدوره حذر الدكتور صلاح الدسوقي، الخبير الاقتصادي، رئيس المركز العربي للإدارة والتنمية، من الاعتماد على بيانات ومؤشرات المؤسسات الدولية، مؤكدًا أن نواياها غير صالحة، مشيرًا إلى أن هذه المؤسسات تزين للحكومة بصلاح الأحوال، وأنه لا يوجد أي مشكلات على الرغم من أن الواقع غير ذلك.

وأضاف الدسوقي في تصريحات خاصة لـ"فيتو" أن تصريحات محافظ البنك المركزي عن أن الدين الخارجي ما زال في الحدود الآمنة من الناتج المحلي ضرب من اللاوعي بالواقع، مؤكدا أن الدين تضاعف بشكل خطير، مما يزيد من الضغوط والأعباء على الموازنة العامة للدولة.

وأوضح أن مصر ما زالت تعاني الاقتصاد الريعي، وهذا لن ينتج عنه أي تقدم، مشددًا على أنه لكي نسدد الديون ونشجع ونرفع من قيمة الصادرات يجب التحول إلى الاقتصاد الإنتاجي، والعمل على تقليل معدل التضخم، وزيادة موارد الدولة، وجدولة الديون حتى نستطيع الوفاء بالتزاماتنا في المستقبل.

وأشار الدسوقي إلى أن الاقتراض من الخارج هو آفة الاقتصادات الناشئة، إلا أن له بُعدا سياسيا آخر، وبعيدًا عن ذلك يجب العمل على خلق موارد جديدة للدولة لتجنب الاقتراض بشروط قد تكون مجحفة من المُقرض، لكن مضطرون لذلك.

وأكد أنه بعد عامين من التعويم لم نجنِ من ورائه سوء ثمار الوهم والألم، موضحًا أن تحرير سعر الصرف وتخفيض سعر العملة المحلية كان الغرض من ورائه إصلاح الميزان التجاري وزيادة موارد الدولة من العملات الصعبة، إلا أن ذلك لم يحدث، وما زال معدل التضخم مرتفعا ويتمادى، وأيضا وجود خلل بالميزان التجاري.

تحرير سعر الصرف

وأكد رئيس المركز العربي للإدارة والتنمية أن تحرير سعر الصرف كان يصلح في الدول التي تحافظ على اقتصادها الإنتاجي، وذات قوة عظمى في مصانعها وإنتاجها مثل اليابان، فكلما قامت بتخفيض قيمة عملتها نما اقتصادها.

ولفت إلى أن السوق المصري لا يشجع على جذب الاستثمارات بسبب ضعف القوة الشرائية للمستهلك، فضلًا عن الكساد الاقتصادي، وانتشار الفساد، وعدم وجود عمالة مدربة للعمل في المصانع، ما يدعونا إلى أن نشدد على أهمية التعليم المهني، فهو إحدى قاطرات تنمية الاقتصاد المصري.

وذكر الدسوقي أن قطاعا كبيرا من الاستثمارات القادمة إلى مصر هي استثمارات غير مباشرة، متمثلة في شراء الصكوك وأذون الخزانة وغير ذلك من أدوات الدين التي تستخدمها الحكومة للوفاء بالتزاماتها أول تمويل عجز الموازنة، مؤكدًا أن مثل هذا الاستثمار لا يبني دولة، ولا يمكن أن يعتمد عليه أي اقتصاد في التقدم والنمو، حيث إنه لا يوفر فرص عمل، ولا يعمل على تخفيض معدل التضخم، ولا يساعد على حل مشكلة البطالة.

ويرى علي عبد الرءوف الإدريسي، الخبير الاقتصادي، أنه طالما الدولة قادرة على الوفاء بالتزاماتها من سداد الديون أو سداد أعبائها "فوائد الديون"، إذن ما زالت نسبة الدين من الناتج المحلي آمنة حتى لو وصلت إلى 100%، لكن يجب على الدولة والحكومة العمل على عدم رفع سقف الدين إلى أبعد من ذلك.

وأكد الإدريسي في تصريحات خاصة لـ«فيتو» أن الديون في الحدود الآمنة، بسبب أنها ذات الأجل الطويل مما يعطي الحكومة وقتا لتوفير الموارد اللازمة للسداد والوفاء بالالتزامات.

وأشار إلى أنه يجب على صانعي القرار العمل الحفاظ على رءوس الأموال وتعظيم قيمتها، وأيضا تعظيم مصادر الإيرادات العامة للدولة، وإنشاء قائمة تضم الاستثمارات ذات الجدوى، والعمل على توجيهها بالقطاعات التي تحتاجها الدولة، وذلك لعدم الضغط على الموازنة العامة، والهروب من فخ الاقتراض، وإملاءات المؤسسات الخارجية.

وأوضح الإدريسي أن اقتصاد مصر جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، والحروب التجارية أصبحت طاحنة، خاصة تلك الدائرة بين أمريكا وإيران والصين وبعض الدول الأوروبية، مما سيؤثر بشكل أو بآخر على الاقتصاد المصري، مما يجب على الحكومة الاستعداد بحزمة من الإجراءات والاستثمارات لكي تحافظ على نمو الاقتصاد، وأن تكون قادرة على سداد الديون وعدم رفع حدود الدين.

التعويم إجباري

ولفت إلى أن التعويم كان قرارًا اضطراريًا، ولا أحد يُنكر أنه قضى على السوق الموازية التي كانت شوكة في ظهر توفير عملة صعبة، لكن كان لا بد أن تأتي بعده بعض الإجراءات الضرورية، والعمل على جذب الاستثمارات، وضخ رءوس الأموال في المصانع، وزيادة الإنتاج والعمل على تخفيض معدل التضخم، وإصلاح الخلل بالميزان التجاري، وتشجيع الصادرات.

وتابع: نتائج التعويم كانت تحسين المصادر الدولارية، وجلب 11.2 مليار دولار عوائد من السياحة، وارتفاع إيرادات قناة السويس.

ومن جانبها أوضحت الدكتورة بسنت فهمي، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، أن أفضل قطار لتنمية الاقتصاد هو العقارات والتوسع فيها، مشيرة إلى أننا نسعى إلى تصدير العقار للخارج، مما يجلب عملة صعبة للبلاد، ويعمل على تنمية الاقتصاد المحلي، وزيادة موارد الدولة.

وأضافت الدكتورة بسنت فهمي، في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، أن من أكبر الأخطاء التي كانت ترتكبها الحكومات السابقة هو دعم الاستهلاك، مشيرةً إلى أننا تحولنا الآن إلى دعم الإنتاج.

ولفتت إلى أنه عندما يطرح البنك المركزي أذون خزانة لتمويل عجز الموازنة، هو في الواقع عجز في تمويل المشروعات القومية التي تبنيها الدولة، مشيرة إلى أن البنك الدولي هو المعني بتمويل المشروعات القومية الكبرى.

وأكدت عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب أنه طالما الدولة تفي بالتزاماتها لا ضرر من ذلك، حتى لو تساوى الدين مع الناتج المحلي، مشددة على أهمية عدم الإنفاق على الدعم السلعي والاستهلاكي، وتوجيه موارد الدولة والقروض إلى المشروعات القومية وتنمية موارد الدولة.

وأشارت إلى أن الأوضاع الاقتصادية العالمية تنم عن اقتراب كارثة، ويجب علينا أخذ ذلك في الاعتبار، والعمل على خلق موارد وضخ استثمارات، فالسوق المصري متعطش.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية