رئيس التحرير
عصام كامل

تذكرة «عرفات» وكبسولات «إيلون ماسك»


أتى الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال لقائه المراسلين الأجانب في شرم الشيخ، على ذكر وزير النقل هشام عرفات، وقال إنه "شاهد في التليفزيون، مداخلة لوزير النقل، قال فيها إنه سيرفع سعر تذكرة المترو، فردت عليه المذيعة "لا تقترب من تذكرة المترو". وأوضح الرئيس أن "خط مترو مصر الجديدة جاهز للافتتاح منذ أشهر، وأنا طلبت عدم افتتاحه، لأن التذكرة غير اقتصادية، وتكلفتها ضعف الموجودة الآن".


إشارة الرئيس إلى وزير النقل تعيد إلى الأذهان تصريحات عرفات الاستفزازية، وسوء إدارته موارد ومرافق أحد أهم الوزارات الخدمية، فحين رفع تذكرة مترو الأنفاق بنسبة 350%، حاول امتصاص الغضب والتخفيف من صدمة الزيادة المبالغ فيها قائلا: "سعر التذكرة دلوقتي بتجيب بيضة ونص في مصر، وسعر التذكرة في باريس بتجيب 7 بيضات"!!

حين يقارن الوزير بين مترو القاهرة ونظيره الباريسي، عليه أولا أن يقارن مستوى الخدمة المقدمة من النقل، حالة الطرق والقطارات، الأمن والسلامة، معدل التكدس، الانضباط، ويقارن أيضا رواتب المصريين مع الأوروبيين!!.

لم يكف عرفات عن الاستفزاز مشيرا إلى أن الخدمة المقدمة في الخطين الثاني والثالث "تليق بالمواطن المصري، وأن زيادة أسعار تذاكر المترو ليس مرتبطًا بمستوى الخدمة، وإنما بزيادة عدد الخطوط والمحطات التي تدخل الخدمة". نسى الوزير المستفز أعطال المترو الدائمة والحوادث المتكررة وتكدس عرباته المتهالكة والباعة الجائلين وغيرها الكثير، دون أن نتحدث عن مصائب القطارات وبقية وسائل النقل العامة المسئول عنها عرفات.

آخر ما قاله وزير النقل إن أي مترو سيدخل الخدمة ستكون أسعاره مرتفعة مثل مترو مصر الجديدة، وإن الوزارة تحتاج إلى 30 مليار جنيه لتطوير مترو حلوان، ملمحا إلى إمكانية رفع سعر التذكرة مجددا.. فهل المواطن مسئول عن فشل الوزير في استغلال موارد وزارته وعدم سعيه إلى تنميتها بعشرات الطرق والوسائل المبتكرة، والحد من الهدر والإسراف بين القيادات وكبار الموظفين؟ 

عرفات أوقف إعمال العقل ولجأ دائما إلى الحل الأسهل برفع الأسعار دون النظر للأعباء التي يتحملها المواطن في ظل الغلاء الفاحش، وتدني الرواتب وعدم زيادتها. فشل عرفات في إدارة مرافق النقل العامة وتحسين الخدمة رغم مضاعفة الأسعار كل بضعة أشهر، يقابله تجربة نجاح مذهلة في وسائل النقل ليس فقط على الأرض بل في الفضاء لمبدع ومبتكر أمريكي هو "إيلون ماسك".

لم يكن نجاح الملياردير الأمريكي إيلون ماسك (47 عاما)، صاحب "شركة تسلا" للسيارات الكهربائية و"شركة سبيس x" للصواريخ صدفة. استثمر ماسك، المولود في جنوب أفريقيا، الأموال التي يجنيها في كل محطة نجاح للوصول إلى نجاح آخر، حتى أصبح رمزا صناعيا عالميا.

كان "ماسك" شغوفا بالكمبيوتر وصمم لعبة إلكترونية Blaster باعها بـ 500 دولار وعمره 12 عاما. ثم هاجر إلى كندا في مراهقته، ومنها إلى الولايات المتحدة لدراسة الفيزياء والاقتصاد في جامعة بنسلفانيا. دخل "ماسك" عالم "البيزنس"، بتأسيس شركة صغيرة أدرت عليه الملايين لاحقا عندما باعها لشركة Compaq Computers. ثم أنشأ موقع X.com لتقديم خدمات مصرفية إلكترونية، دمجه بعد نجاحه مع PayPal ليصبح المساهم الرئيسي في الكيان الجديد. وفي 2002 اشترى الموقع الشهير Ebay موقع PayPal بنحو 1.4 مليار دولار.

في هذا العام اتجه "ماسك" إلى الاستثمار في الفضاء، وكان يبحث عن صواريخ مستعملة ومرممة رخيصة الثمن، لاستخدامها في إجراء تجارب علمية على كوكب المريخ، وعندما طلب منه الروس مبالغ كبيرة لقاء الصواريخ المستعملة، بدأ البحث عن طريقة لتصنيع صواريخه بنفسه، فعكف على القراءة والاطلاع على عالم صناعة الصواريخ، حتى أنشأ "سبيس x" في 2002.

استثمر "إيلون" 100 مليون دولار من أرباح صفقة PayPal لإنشاء شركته الجديدة، لإطلاق مركبات فضاء لأهداف تجارية. واجه "ماسك" عثرات وفشل في طريقه، فالشركة لم تحقق النجاح المرجو منها وفشلت في ثلاث محاولات إطلاق، وكذلك شركة تسلا التي أنشأها في العام 2008، عانت من متاعب مالية، فضلا عن مروره بتجربة طلاق في العام نفسه.

لم ييأس "ماسك" وأصر على المحاولة مجددا، ولم تمر أسابيع قليلة حتى تم إطلاق صاروخ فالكون بنجاح، ووقعت الشركة عقدا مع وكالة ناسا لإطلاق مركبات غير مأهولة للفضاء.

أصبحت سبيس x محط اهتمام إعلامي كبير في عام 2012، عندما أطلقت الصاروخ فالكون-9 الذي حمل كبسولة غير مأهولة للمحطة الفضائية الدولية، وكانت أول مرة تقوم فيها شركة خاصة بإطلاق سفينة فضاء لهذه المحطة.

حقق "ماسك" إنجازات أخرى في مارس 2017 بإطلاق صاروخ آخر من نوع فالكون-9 من مواد يمكن إعادة استخدامها، ما فتح المجال أمام تقليل تكلفة السفر في الفضاء، وتلا ذلك إطلاق الصاروخ "فالكون هيفي"، وهو "الصاروخ الأقوى" من نوعه في العالم.

أما شركة تسلا التي واجهت متاعب عند إطلاقها عام 2008، فغزت السوق بعد سنوات قليلة بالسيارة رودستار، القادرة على السير من سرعة صفر إلى 96 كيلومترا في الساعة في مدة زمنية تقدر بنحو 3.7 ثوان.

وفي 2013، أطلق "ماسك" نظاما للنقل فائق السرعة أسماه Hyper loop بهدف إنشاء وسيلة تنقل بين المدن في أقل وقت ممكن، بواسطة "كبسولات" تسير في أنفاق بسرعات تصل إلى 1200 كيلومتر في الساعة.

لا خلاف على الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الخاصة به في مستقبل البشرية، و"ماسك" أدرك هذه الحقيقة مبكرًا، ويحاول دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وسيارة تسلا لتطوير سيارة تعمل بالطاقة الشمسية وذاتية القيادة، يطرحها قريبا. لا يمكننا الجزم بنجاح أفكار "ماسك" الثورية في عالم النقل، لكن إن قدر له النجاح فسيغير وجه العالم.
الجريدة الرسمية