هاني جرجس يكتب: واقع وآفاق المشروعات الصغيرة والمتوسطة في التنمية
تعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تتكون من شركات أو منشآت فردية ذو عمالة صغيرة ورأس مال محدود من أحد أكبر محاور التنمية الاقتصادية في البلاد المتقدمة والنامية، فتمثل هذه المشاريع نحو 46% من الناتج المحلي العالمي و50 إلى 60% من نسبة التوظيف العالمية، ومن أهم مميزاتها أن لديها فوائد محلية عديدة؛ فإنها توفر السلع والخدمات إلى المواطنين بأسعار رخيصة وتوفر فرص عمل عديدة للعمالة محدودة الخبرة وتشجع استخدام التكنولوجيا المحلية البسيطة. وبذلك فإن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تهتم بالمواطن البسيط وتشجع دوره في التنمية الاقتصادية، وتلعب هذه المشاريع دور تنموي إضافي من خلال مساهمتها في تنمية القطاعات الكبرى كثيفة رأس المال ومدها بالأفكار والمدخلات الجديدة.
وبناء على قانون تنمية المنشآت الصغيرة رقم 41 لسنة 2004 تعرف المشروعات الصغيرة في مصر على أنها كل شركة أو منشأة فردية تمارس نشاطا اقتصاديا إنتاجيا أو تجاريا أو خدميا، ولا يقل رأسمالها المدفوع عن خمسين ألف جنيه ولا يتجاوز مليون جنيه، ولا يزيد عدد العاملين فيها عن خمسين عاملا.
وتمثل هذه المشاريع نحو 98% من المنشآت الصناعية في مصر، وتوظف نحو 74% من عمالة القطاع الصناعي المصري. وبذلك فمن الواضح أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة بإمكانها أن تلعب دور كبير في تنمية الاقتصاد المصري في كافة قطاعاته.
وقد أصدر مجلس الشعب قانون رقم 41 لسنة 2004 تحت اسم قانون تنمية المنشآت الصغيرة، وهو القانون الذي تسري أحكامه بشكل مباشر على المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر.
وتنص المادة 2 من الباب الأول من هذا القانون على أن الصندوق الاجتماعي للتنمية هو الجهة المختصة بالعمل على تنمية المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر وبالتخطيط والتنسيق والترويج لانتشارها والمعاونة في الحصول على ما تحتاجه من تمويل وخدمات، وذلك بالتعاون مع الوزارات وأجهزتها والهيئات العامة ووحدات الإدارة المحلية وغيرها من الجهات.
ووفقا للبوابة الإلكترونية الحكومية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة "نماء"، التي تعمل على إتاحة البيانات والمعلومات وتقديم الخدمات التفاعلية لتنمية هذه المشروعات، فإن المشروعات المذكورة يسري عليها أحكام العديد من القوانين بطريقة غير مباشرة وذلك بحكم طبيعة وحجم نشاطها. وبالإضافة إلى هذه القوانين قامت مؤخرا أجهزة الحكومة المختلفة بإصدار عدة قرارات تمس هذه المشاريع بشكل مباشر أو غير مباشر.
وعلى الرغم من زيادة اهتمام الحكومة المصرية بهذه المشاريع فإنها مازالت تواجه تحديات عديدة تقلص دورها في التنمية الاقتصادية، فتفتقد هذه المشاريع بطبيعتها إلى رأس المال الذي يسمح لها بالإنشاء والاستمرار، وبالرغم من تعدد الجهات الممولة مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية والبرامج الحكومية والغير حكومية العديدة فإن التمويل يصل فعليا إلى 5% فقط من هذه المشاريع بسبب المعوقات الإدارية والنقص في الموارد.
إن على المشاريع الصغيرة التعامل مع كل من وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة التنمية المحلية ووزارة المالية ووزارة التجارة الخارجية والجمعيات الأهلية والصندوق الاجتماعي للتنمية والجهات الإدارية المتعددة المختصة بالترخيص والتشغيل والرقابة.
وهذا العدد الكبير من الجهات المختصة ذو الإجراءات المعقدة يؤثر بشكل مباشر على فعالية المشروعات وقدرتها على التسجيل والعمل بشكل قانوني.
كما تفتقد هذه المشاريع إلى المعرفة والخبرة الإدارية التي تسمح لأصحابها بالعمل بشكل متقن ومربح والتسويق لمنتجاتهم، وعلى الرغم من وجود عدد من البرامج مثل مركز "بداية" أو "مكسبي" أو الآخرين العاملين على بنية قدرات أصحاب هذه المشروعات فإن هذا القطاع ما زال بحاجة إلى مزيد من الرعاية لوصوله لمستوى مرضي من المعرفة والخبرة الإدارية.
ومن أكبر تحديات التعامل مع هذه المشروعات عدم وجود معلومات كافية عنها وعدم إتاحة معلومات كافية لها، فتفتقد الجهات الحكومية وغير الحكومية إلى المعلومات عن عدد أو نوع واحتياجات هذه المشاريع وأصحابها، مما يؤثر بشكل مباشر على القدرة في مساعدتها.
ومن ناحية أخرى تفتقد المشروعات نفسها المعلومات القانونية والاقتصادية مثل كيفية التسجيل واستخراج التراخيص الصحيحة وحجم الموارد المتاحة لها وامكانياتها في التأثير على النمو الاقتصادي في مصر. ولعل الإجراءات الحكومية تزيد العبء على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة والذين عليهم أن يواجهوا إجراءات معقدة ومكلفة للتسجيل في كافة الجهات الحكومية المختصة واستخراج التراخيص إلخ.
ويعد السوق غير الرسمي من المشكلات الضخمة المرتبطة بوضع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر، فيمثل نحو 60 إلى 70% من السوق المصري، ويتضمن على مشروعات غير مسجلة لا تدفع ضرائب ولا تتعامل بشكل رسمي مع أجهزة الدولة. ويؤثر هذا السوق بشكل مباشر على الاقتصاد المصري، وخاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لأنه يقع تحت نفس المسألة ولذلك بإمكانه التفوق عليه بسهولة في الأسعار والخدمات المتاحة للمواطنين.
وفي حالة تشجيع هذا السوق على الانتقال إلى السوق الرسمي سيساهم ذلك بشكل عظيم في تعزيز دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في التنمية الاقتصادية. علما بأن السوق غير الرسمي يتكون بشكل كبير جدا على مشاريع من نفس الحجم.
وعلما بهذا الوضع الحرج الذي تقع فيه هذه المشاريع فإن الاقتصاد المصري في أشد الحاجة إلى النظر بشكل أكبر لكيفية إصلاح هذا القطاع، بل والاستفادة منه في التنمية الاقتصادية الشاملة في الفترة المقبلة. ولذلك فيجب السعي في تقديم المزيد من المساعدات المادية والغير مادية (مثل المعرفة والموارد الإدارية) لهذه المشاريع بكافة أنواعها والتأكد من فعالية هذه المساعدات. يجب أيضا العمل على السوق الغير رسمي في مصر ووضع آليات قانونية ومالية تسمح له وتشجعه على الانتقال إلى السوق الرسمي، وعلى الجهات المختصة أن تعمل على حصر معلومات أكثر عن هذا القطاع للتعامل معه بشكل أكثر فعالية.
وإن هذه المشروعات وأصحابها في حاجة شديدة إلى حملات توعية عن دورهم في الاقتصاد المصري، إضافة إلى الموارد الحكومية والغير حكومية المتاحة لهم.
وأخيرًا يجب أيضًا العمل بشكل كبير على تحسين البنية التحتية لهذا القطاع ولكل مؤسسات الدولة المشرفة عليه، فبإمكان الدولة تشجيع هذه المشاريع وتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية من خلال تسهيل الإجراءات الحكومية المطلوبة والتعامل مع أصحاب المشروعات الرسمية وغير الرسمية بأشكال جديدة ومبتكرة.
وسيكون لهذا دور كبير في تحسين وضع الاقتصاد المصري في السنوات القادمة، علما بأن تجربة المشاريع الصغيرة والمتوسطة أثبتت نجاحها في أكبر اقتصاديات العالم، مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية.