رئيس التحرير
عصام كامل

ما زالت معركتنا مع الإرهاب مستمرة


على مدار التسعة عقود الماضية وتحديد منذ العام 1928 وهو العام الذي تأسست فيه جماعة الإخوان الإرهابية، وقضية الإرهاب إحدى أهم القضايا المركزية التي تشغل بال المجتمع المصري، وتشكل صداعا دائما في رأس الحكومات المتعاقبة، فالتنظيم الإرهابي الذي صنعته الإمبريالية العالمية ليكون شوكة في حلق مجتمعاتنا ما زال يمارس عملياته الإرهابية داخل مجتمعاتنا العربية، في محاولة لإشعال نيران الفتنة حتى نتهم بعدم قدرتنا على تحقيق الأمن والاستقرار..


ودائما ما تطرح الجماعة الإرهابية نفسها كبديل قادر على إطفاء النيران وتحقيق الأمن والاستقرار بل والنهضة للمجتمع، وللإرهاب داخل مجتمعنا حكاية قديمة تبدأ في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا هي القوى الإمبريالية الأكبر في العالم، وتسيطر وتهيمن على منطقتنا، فقامت بدراسة تاريخنا بعمق ودقة وتوصلت إلى أنه لا بد من خلق تنظيم وزراعته داخل جسد الأمة يرفع شعار الوصاية على الإسلام، ويمكن استخدامه لاحقا في الصراع على السلطة وممارسة العنف والإرهاب.

وبالفعل وجدت المخابرات البريطانية ضالتها المفقودة في الفتى حسن البنا مدرس اللغة العربية والتربية الدينية للمرحلة الابتدائية في إحدى مدارس مدينة الإسماعيلية، وساعدته في بناء أول مسجد للجماعة بالمدينة عبر خمسمائة جنيه قدمت له كتبرع من مدير شركة قناة السويس، وانطلقت دعوته تحت سمع وبصر ودعم الإدارة البريطانية الحاكمة لمصر في نهاية العشرينيات من القرن العشرين، وبالفعل نجحت بريطانيا في ما هدفت إليه، حيث نمت الجماعة بشكل كبير، حيث انتقلت الجماعة من الإسماعيلية إلى القاهرة وتغلغلت داخل أحيائها الشعبية..

حتى اكتسبت أرضية حقيقية على كامل الجغرافيا المصرية، حيث كانت البيئة الحاضنة جاهزة فقر وجهل ومرض، وتدين شعبي شكلي دون وعي ديني حقيقي، وهو ما جعل التنظيم ينجح في جذب أعضائه ومؤيديه عبر خطابه الديني المدغدغ للمشاعر من ناحية والخدمات التي يقدمها للفقراء والكادحين من ناحية أخرى.

وعندما جاءت اللحظة المناسبة وكانت الحركة الوطنية في الأربعينيات تطالب بجلاء المحتل البريطاني كانت الجماعة بدأت في لعب الدور السياسي والصراع على السلطة، وهو الدور الذي خلقت من أجله تحت عين وبصر المخابرات البريطانية، وكانت في الوقت ذاته قد تمكنت من تكوين ميلشيا مسلحة من بين أعضائها لاستخدامها في العنف والإرهاب والتصفيات الجسدية لخصومها السياسيين..

وكان من أبرز ضحايا الجماعة اغتيال أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء في 24 فبراير 1945، ثم المستشار أحمد الخازندار الذي كان ينظر قضية تفجير الجماعة لسينما مترو في 22 مارس 1948، ثم محمود فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر في 28 ديسمبر 1948، وهو ما جعل الملك فاروق يشعر بالحرج وعدم قدرته على السيطرة على الإرهاب، فطالب قوات أمنه الرد بقوة فقاموا بقتل حسن البنا نفسه في 12 فبراير 1949.

ثم جاءت ثورة 23 يوليو 1952 وحاولت الجماعة أن تتصدر المشهد السياسي وتسرق السلطة من الثوار لكنها فشلت فقامت بمحاولة اغتيال قائد الثورة جمال عبد الناصر في 26 أكتوبر 1954 في المنشية بالإسكندرية، وكان رد الفعل الطبيعي هو حملة واسعة من الاعتقالات لقيادات الجماعة، وفي الوقت نفسه مشروع تنموي حقيقي للقضاء على الفقر والجهل والمرض، وبذلك تمكن جمال عبد الناصر ورفاقه من محاصرة مشروع الجماعة وخنقها بجعل البيئة الحاضنة مؤيدة للثورة ورافضة لكل من يحاول المساس بها.

وانقضت هذه المرحلة سريعا وجاء الرئيس السادات وكانت أول جرائمه في حق مجتمعنا وأمتنا العربية هو المصالحة مع هذا التنظيم الإرهابي في الوقت نفسه الذي تخلى فيه عن المشروع التنموي الذي قضى على كثير من معالم البيئة الحاضنة المليئة بالفقر والجهل والمرض، فعادت البيئة الحاضنة أكثر من ذي قبل وأصبحت مستعدة لاستقبال الأفكار والمساعدات التي تقدمها لها الجماعة، وكانت الجماعة خلال مرحلة المحاصرة قد هاجر عدد كبير من أعضائها إلى دول البترودولار وكونوا ثروات كبيرة أحضروها لاستثمارها في بيئة الانفتاح الجديدة..

وخلال سنوات السبعينيات فرضت الجماعة هيمنتها على كامل الجغرافيا المصرية وفرخت العديد من الجماعات الإرهابية الصغيرة التي مارست العنف والإرهاب داخل المجتمع، وكانت أبرز أعمالها هي قتل الرئيس السادات ذاته في 6 أكتوبر 1981.

وجاء الرئيس مبارك وصار على نهج السادات نفسه مع تعديل بسيط في التكنيكات، فاستمرت الصفقات السياسية بينه وبين الجماعة، وفي تلك الأثناء تمكنت الجماعة من فرض نفوذها داخل المجتمع المصري وكسب المزيد من المؤيدين والمتعاطفين عبر الخدمات التي تقدمها الجماعة للفقراء والكادحين في الوقت الذي تخلت فيه دولة مبارك عن مسئوليتها تجاه مواطنيها..

وعندما انطلقت شرارة الثورة في 25 يناير 2011 كانت البيئة الحاضنة جاهزة لصعود الجماعة للمرة الأولى إلى سدة الحكم، واكتشفنا في لحظة واحدة كيف تمكن هؤلاء الإرهابيين من التغلغل وبناء النفوذ داخل بنية المجتمع المصرى، ثم كانت المواجهة الحاسمة بواسطة الشعب والجيش للإطاحة بالجماعة من سدة الحكم في 30 يونيو 2013.

ومنذ تلك اللحظة قررت الجماعة الإرهابية العودة لممارسة العنف والإرهاب ضد الجيش والشعب فكانت الأحداث المتتالية التي بدأت بالمواجهة الشاملة على أرض سيناء ثم محاولات الانتقال من وقت لآخر إلى الداخل، وتنفيذ بعض العمليات الإرهابية المجرمة خاصة ضد الإخوة المسيحيين، في محاولة لتمزيق النسيج الوطني المتماسك في مواجهة إرهابهم..

فكانت عملية دير الأنبا صموئيل المعترف الكائن بجبل القلمون دائرة مركز العدوة بمحافظة المنيا التي راح ضحيتها سبعة شهداء إلى جانب ما يزيد على العشرين من المصابين، في التوقيت نفسه الذي تعقد فيه مصر منتدى شباب العالم، لتتحول الأنظار عن المنتدى وتكون الرسالة أننا غير قادرين على حفظ الأمن وتحقيق الأمان داخل مجتمعنا.

لذلك لا بد من التأكيد على أن معركتنا مع الإرهاب ما زالت مستمرة، وأن المواجهة لا بد أن تكون شاملة أولا بالمواجهة الأمنية الصارمة، ثم بمشروع تنموي حقيقي للنهوض بأوضاع البشر في البيئة الحاضنة التي تعج بالفقر والجهل والمرض، ثم مواجهة فكرية شاملة عبر خطاب ديني واعٍ يفرض نفسه على كامل الجغرافيا المصرية..

فالوعي الشعبي هو الفيصل في هذه المعركة خاصة أن المشروع الإرهابي الطامع في السلطة يلتقي في مصالحه مع المشروع الإمبريالي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الصهيونية لتقسيم وتفتيت مجتمعاتنا العربية، لذلك تأتي حتمية الوحدة العربية لمواجهة الإرهاب والمشروع التقسيمي والتفتيتي معا.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية