الإعلام والبطاطس
خلال الأيام الماضية استحوذت مشكلة أسعار البطاطس على اهتمام كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، عشرات المقالات في الصحف حول الأزمة، ومئات الساعات في القنوات التليفزيونية والإذاعية وفي كل البرامج الصباحية والمسائية كانت البطاطس حاضرة، وأخذت اهتماما أكثر من موضوعات أخرى مهمة، وللأسف معظم من تناول الأزمة لم يكن لديه المعلومات الكافية عن أسبابها الحقيقية، وتحدث فيها بسطحية وكاد يتسبب في كارثة أكبر.
الكل تناولها على أساس أن الاحتكار هو السبب وقيام التجار بتخزينها في الثلاجات وهذا غير حقيقي، فالأزمة سببها الأساسي هو قلة الإنتاج نتيجة لانخفاض مساحة الأرض التي كانت مزروعة بالبطاطس هذا العام، ومن المعروف أن الأسعار يحددها العرض والطلب.
أيضا معظم الإعلاميين حملوا وزارة الزراعة المسئولية وهم لا يعلمون أنها وزارة إنتاج فقط ولا علاقة لها بالتوزيع أو التسعير أو التخزين، الكارثة الأكبر في التناول الإعلامي أن البعض طالب بوقف تصدير البطاطس وهذا ضد توجه الدولة تماما وتشجيعها لدعم التصدير الذي يجلب لنا العملة الصعبة ويوقف استنزاف الاحتياطي النقدي.
أيضا وقف التصدير يعني الإخلال بتعاقدات سابقة للمصدرين مع الجهات الأجنبية مما يضر بسمعة مصر الدولية وعدم احترامها لتعاقدتها، الأزمة الأكبر في التناول الإعلامي هي المطالبة بالإخلاء الفوري للثلاجات، وهذا كاد يتسبب في ثلاث كوارث، الأولى أن معظم المخزون كان تقاوي لزراعة الموسم الشتوي، وبالتالي فإنه سوف يؤثر على المساحة الجديدة..
ثانيا هناك نسبة من المخزون لمصانع الشيبسي وبالتالي يؤدي إلى تدمير صناعة يعمل فيها آلاف العمال، أما الكارثة الثالثة هي أن الإخلاء العشوائي سوف يتسبب في إغراق السوق بالبطاطس لمدة قصيرة ثم اختفائها تماما لفترة طويلة لحين جني المحصول الجديد في أول ديسمبر، وبالتالي سوف تتضاعف أسعارها لذلك كان قرار وزير الزراعة عقلاني بإعطاء مهلة شهر لأصحاب الثلاجات لإخراج مخزون الطعام بنسبة 5% يوميا خلال المدة المحددة، حتى لا يحدث إغراق أو تعطيش للأسواق، وبالتالي يكون هناك توازن في الأسعار.
لا يمكن مطالبة الإعلام بتجاهل أي أزمة مثارة في المجتمع، لكن كل ما أتمناه أن يكون التناول عقلانيا ومنطقيا حتى لا يتسبب في كوارث أكبر..
أيضا أتمنى ممن يتناولون الأزمات أن يكون لديهم المعلومات الكافية وتناولها بعمق ودراسة كل المشكلات المرتبطة بها وأسبابها وتشخيصها ثم وضع الحلول الحقيقية لها، سوف تنتهي أزمة البطاطس وينساها الإعلام في انتظار أزمات أخرى تعطيه قبلة الحياة، فالإعلام أصبح أزمات ومناسبات ورد فعل رغم أن بلدنا فيها الكثير من الإنجازات والملايين الذين يعملون بإخلاص وضمير ويحملون الوطن على أكتافهم، لكن الإعلام لا يتذكرهم إلا في الأزمات فقط مثل وزارة الزراعة.
مشكلات القطاع الزراعي في مصر كثيرة ومتراكمة على مدار السنوات الماضية، منها تآكل الرقعة الزراعية، وتدهور ميزانية البحث العلمي الزراعي، والإرشاد، وعدم وجود سياسة زراعية واضحة، ومشكلات الفلاح، ومستلزمات الإنتاج، وكلها مشكلات ورثها الرئيس السيسي وحكوماته، وهناك محاولات جادة لوضع حلول جراحية لها بعيدًا عن المسكنات التي كانت تحدث في الماضي..
هناك أيضا جهود متميزة تبذلها وزارة الزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وفتح أسواق جديدة للصادرات المصرية في الخارج، وهذا يحتاج إلى مقال آخر أكثر تفصيلا.