الشقيقة إسرائيل!!
بينما كان نتنياهو يغادر سلطنة عمان وهو يتفاخر بأن زيارتة المقبلة ستكون لقطر، كان المجلس المركزي لحركة فتح يعلن سحب اعترافه بإسرائيل، ويوقف التعامل معها، ويعلن الرفض التام لما يسمى بصفقة القرن، خاصة أن التطبيع المجاني أسقط تماما مبادرة السلام العربية، التي كانت تضع التطبيع مقابل الحقوق الفلسطينية المهدرة، وبعدما كان الصراع مع إسرائيل يسمى الصراع العربي الإسرائيلي، هتف العرب المستعربة في نفس واحد للفلسطينيين، اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا إنَّا هاهنا قاعدون.
بعدما قضت الأنظمة العربية على فلسطين والفلسطينيين، وبدأ المشهد الأخير عبثيا بامتياز، حيث ينسحب أصحاب القضية ويجمدون العلاقات والتطبيع، بينما الآخرون يهرولون للقاءات العلنية ببجاحة دبلوماسية تسقط كل أوراق التوت، التي كانت يوما ما تضمن لهم شرعية الحكم والوجود.
وكانت القضية تجارة رابحة للضحك على الشعوب العربية، وبينما كانت المنح والشهادات لمن يجيد العربية نطقا وكتابة، راحت المنطقة تتوسع في تعليم كل اللغات غير العربية، حيث تدرس سوريا اللغة الروسية، والعراق اللغة الفارسية، وبقية المنطقة تدرس اللغة العبرية، تمهيدا للتعامل مع الشقيقة إسرائيل.
حيث يراهن البعض على أن تل أبيب هي مهندس الشرق الأوسط الجديد بمباركة بعض الدول، وموافقة ضمنية من البعض الآخر، وعدم الممانعة من بقية الدول، وإذا كانت دول المنطقة تختلف مع بعضها وتتصارع على كل شيء، وربما لا تتفق على شيء أكثر من الاتفاق على إسرائيل، والتودد إليها وكسب رضاها، وبعدما كانت العلاقات سرية وتحت جنح الظلام، تطور بما يشبه الزواج العرفي ومؤخرا أعلنوا الزواج الرسمي.
ولم يتم الاكتفاء بتلك العلاقات الآثمة، فتم فتح المكاتب التجارية والمثليات والقنصليات ثم السفارات والسياح والسائحات، وتطور الأمر إلى خبراء في الزراعة ومكافحة الإرهاب، وفروع للبنوك واستثمارات تكنولوجية وزراعية، وعمل البعض توكيلات للصهاينة للدفاع عنهم في واشنطن ولندن وباريس.
وبعدما كانت تلك العواصم تروض دول المنطقة لصالح إسرائيل، أصبحت تل أبيب هي التي تقوم بالمهمة في المنطقة لصالح تلك العواصم الغربية.
كان يتم تسويق إسرائيل للمنطقة وللشعوب العربية كقوة عسكرية لردع الشارع العربي، بينما الحقيقة إن هذا الكيان لم يكن قويا، ولكن الأنظمة كانت منهزمة في عقر دارها، وكل الإنجازات الإسرائيلية ليس لقوتها ولكن لضعف من حولها.. والآن يتم تقديم هذا الكيان لشعوب المنطقة كدولة عظمى اقتصاديا وتكنولوجيا، بآلة إعلانية وإعلامية تغسل العقول للمرة الثانية، وتبهر بالفعل الشعوب المطحونة بحقوق الإنسان والديمقراطية والسلاسة في انتقال السلطة بين الأحزاب والانتخابات الحرة.
وهي القيم التي تنقص الأمة العربية، وتحلم بها، وقد بدأت خطوات التسويق باختفاء لغة الأداء، ولم يعد الكيان الصهيوني غاصبا، ولم يعد هو العدو، فتم استبدال تلك المسميات بالدولة المجاورة أو إحدى دول الإقليم أو الدولة الشرق الأوسطية، وستتحول قريبا للكسمبورج المنطقة، كما دعى لذلك البرادعي في ٢٠١١.
وستتحول معها المنطقة إلى كيان شرق أوسطي جديد، وفق نبوءة "شيمون بيريز"، حيث اليد العاملة المصرية والأموال الخليجية والعقول الإسرائيلية.
ويذهب كثير من المحللين إلى أن الأوضاع الجيوسياسية الراهنة لن تظل على حالها، ويتنبؤون بتفكك الاتحاد الأوروبي وأمريكا وتقلص اليابان وتوسع روسيا على حساب دويلات أوراسيا، وتتوسع تركيا على حساب دول آسيا الوسطى وشمال الشام، وتتوسع إيران على حساب دويلات الخليج، وستنجو إسرائيل مما يحدث للمنطقة، لأنها تصنع من الآن وضعها بعد عشرات الستين كما فعلت منذ مؤتمر هرتسليا في منتصف القرن قبل الماضي.
والحمد لله أن هؤلاء يتنبؤون لمصر أن تتوسع بما يحافظ على أمنها واستقرارها، وتأمين حدودها البحرية والبرية، غير أن الملفت للنظر أن هناك توقعات لنمو وإعادة بعث للدول ذات الحضارات القديمة كالعراق واليمن.
غير أن سيناريو المستقبل المؤكد ذكره القرآن الكريم في سورة الإسراء: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا).
وأغلب الظن أن أصدقاء إسرائيل المنبطحين لم يقرأوا تلك الآية، وإلا لما اتخذوا عدوتهم شقيقة!!!