«الأمريكان».. مجرمون خارج سيطرة «الجنائية الدولية»
أتحدى أن تجرؤ «المحكمة الجنائية الدولية» على الاستمرار في تنفيذ ما أعلنته منذ أيام، بـ«دراسة» مقاضاة عدد من عناصر الجيش الأمريكي لاتهامات تتعلق بانتهاكات لحقوق معتقلين في أفغانستان، لا لشيء سوى أن «المحكمة» لم تنشأ لتطبيق مبدأ العدل في العالم مثل غيرها من المنظمات الدولية التي تسير على ذات النهج، وتعمل كأداة لضرب الدول الفقيرة، ونهب ثرواتها، والتنكيل بشعوبها وقادتها، دون تطبيق الحد الأدنى من ذات الأدوات على أي من الدول الكبرى، حتى وإن أجرمت أو قتلت أو نهبت.
ولان «الجنائية الدولية» أضعف من أن توجه اتهام لـ«جندى» أمريكي أو إسرائيلى ـ مثلما أعلنت ـ فقد خرج «جون بولتون» مستشار البيت الأبيض للأمن القومي ليهدد المحكمة «علنا» بمجموعة من الإجراءات، في حال استهدفت تحقيقاتها أشخاصا من الولايات المتحدة أو إسرائيل أو حلفاء أمريكا الآخرين، معتبرا أن المحكمة غير «مشروعة» أو مسئولة، وأن أمريكا ستستخدم ما تراه ضروريا لحماية مواطنيها وحلفائها ضد إجراءات هذه المحكمة، مهددا بمنع دخول قضاة المحكمة وممثلي الادعاء إلى الأراضي الأمريكية، وفرض حظر على أموالهم، ومحاكمتهم أمام القضاء الأمريكي، وتطبيق ذات الإجراءات على كل الدول والشركات التي تتعاون مع المحكمة في أي تحقيق يخص مواطنين أمريكيين.
ولعل الغريب في الأمر، أن تنتفض الولايات المتحدة الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية، لمجرد التلويح بـ«دراسة» وليس «مقاضاة» عدد من عناصر الجيش الأمريكي، على الرغم من أن تأسيس المحكمة ودخولها حيز التنفيذ في يوليو (تموز) 2002 جاء بموجب «قانون روما» الذي وقعت عليه 122 دولة، لتكون «أول محكمة دولية قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والإنسانية».
إلا أن الحقيقة المرة، أن المحكمة حادت عن الغرض الذي أنشئت من أجله، وتحولت إلى «عصا» في يد القوى العالمية الكبرى، للتنكيل بالزعماء الأفارقة، وهو ما جعلها محط انتقاد من كثير من دول العالم خاصة الأفريقية، بعد أن غضت الطرف عن الجرائم التي ارتكبتها أمريكا ودول غربية كبرى، رغم اعتراف تلك الدول «علنا» بالأخطاء والمسئولية عن تلك الجرائم، مثلما حدث مع «جورج بوش الابن» ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق «توني بلير» اللذين اعترفا بغزو العراق بناء على معلومات خاطئة، والتسبب عن عمد في قتل وتشريد الآلاف من أبناء الشعب العراقي.
في الوقت الذي لم تنظر فيه المحكمة على مدار 16 عاما، سوى 4 قضايا، جميعها تخص دولا أفريقية هي «أوغندا الشمالية، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية أفريقيا الوسطى ودارفور» وأصدرت 9 مذكرات اعتقال كان أشهرها بحق الرئيس السوداني «عمر البشير» بتهمة الإبادة الجماعية في دارفور، في حين لم تستطع أن تقترب من أي مسئول أمريكي أو أوروبي.
ولعل الغريب في أمر المحكمة التي لا تلاحق سوى الأفارفة، أن دول القارة السمراء تمثل الأغلبية بين الدول المشاركة فيها، حيث انضم إليها 34 دولة أفريقية من أصل 124، وبدلا من أن تكون الأكثر تأثيرا في عمل واختصاصات المحكمة، وجدت نفسها الأكثر استهدافا، مما جعل دول «بورندي، وجنوب أفريقيا، وجامبيا» تُقدم على الانسحاب من المحكمة، متهمة إياها بـ«القوقازية الدولية، لملاحقة وإذلال الملونين وخاصة الأفارقة، وتتجاهل كل جرائم الحرب التي ترتكبها دول غربية في كثير من بقاع العالم».
أؤكد أن «الجنائية الدولية» لن تجرؤ على الإقدام بتوجيه اتهام لجندى أو مواطن أمريكي واحد، وأنه ليس بموسوعها سوى توجيه اتهامات للدول الفقيرة والضعيفة في أفريقيا، وأنه أولى بالدول الأفريقية الانسحاب بشكل جماعى من تلك المحكمة، ليكتب التاريخ، أنه كان لهم الفضل، في إسقاط أولى المنظمات الدولية التي لا تطبق أقل مبادئ العدالة في العالم».