رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا قدمت الدولة والمجتمع المدني للشباب!؟


انتهى شهر الانتصارات، أكتوبر العظيم الذي حققت فيه قواتنا المسلحة أول انتصار عسكري في العصر الحديث، انتهى بين تذكر بعض البطولات وعرض أفلام قديمة مستهلكة ضعيفة، وحصل طلبة المدارس والجامعات على إجازة وإقامة بعض الحفلات الغنائية الهزيلة وانتهى كل شيء وكأن الأمر ينتهي إلى هذا الحد، والجميع ينام قرير العين على أنهم أدوا دورهم على أكمل وجه، ثم نسأل لماذا فقد الشباب انتماءهم لتراب بلدهم، ونسأل بعضنا البعض عن حيرة الشباب لعدم وجود لهم طموح حقيقي في رفع اسم ومكانة مصر!؟


المسئول الأول "نحن" كما كتب د.حامد زهران أستاذ علم النفسي في بحث في أحد المؤتمرات عن نفس الموضوع هذه الكلمة فقط منذ ما يقرب من عشرين عاما، "نحن"، نعم ماذا فعل كل منا من أجل الشباب؟ ماذا فعلنا من أجل غرس الانتماء في وجدانهم؟ ماذا فعلنا من حثهم أن تكون أحلامهم مرتبطة برفع اسم ومكانة وتقدم مصر!؟

الحقيقة لا شيء، نعم لا شيء يستحق الذكر، قدمنا لهم تعليما يفسد ولا يقوم، قدمنا لهم ثقافة تحث على الجهل والخواء، قدمنا لهم الدين الذي يعتمد على الخرافات، واعتناق الإرهاب تقربا لله والجنة والحور العين، قدمنا لهم سلوكيات اجتماعية مترهلة لا تزال تعتمد على التواكل وإهمال كل القيم الإنسانية الجميلة، قدمنا لهم علاقات أسرية مفككة ومهترئة!؟ حتى المواطنة عجزنا عن جعلها فكل وليس مجرد خطب وأناشيد! ماذا قدمنا لهم!؟

هل قدمنا لهم القدوة في المدرسة من معلم يحمل كل القيم الإنسانية النبيلة؟! هل قدمنا لهم الأستاذ الجامعي المعتبر الذي يعلم الحوار والاختلاف والعقلية النقدية؟! هل رسخنا لدى الشباب أنهم بالفعل قادة المستقبل؟! وهل اقتربت الدولة من الشباب لتنمية بشرية وسياسية حقه؟! هل للأحزاب دور مع الشباب؟!

قدمنا لهم أسوأ ما لدينا، قدمنا إهمالا ولا أدري قصدا أم لا؟ ما يفسدهم ولا ينمي فيهم الروح والانتماء والطموح من أجل بلدهم ومن أجل أنفسهم، حاولت الدولة من أكثر من نصف قرن تربية كوادر في كل المجالات من خلال فكرة نقية أطلق عليها منظمة الشباب لكن سرعان ما أفسدها الوصوليون والمنافقون، ومنذ الستينيات لم تحاول الدولة بشكل حقيقي تقديم عمل جاد لتربية كوادر وعناصر للشباب في شتى المجالات..

كانت مراكز الشباب واحة الصبية والشباب لممارسة الرياضة والحوار، فأهملتها الدولة، كانت قصور الثقافة تقدم المبدعين في جميع المجالات الأدب والإعلام والفنون فأهملتها الدولة، السؤال: من أين يستقي الشباب القيم المختلفة؟! إذا كانت الدولة أعطت ظهرها للشباب، والمنابر يحتلها أصحاب الأفكار المتخلفة أو الإرهابية، والمدارس والجامعات خواء، وإعلام يمارس الكذب والنفاق والعهر أحيانا، وسينما تعتمد على الغرائز، ومسرح غائب تماما، بعد هذا فإن الطريق إلى الجماعة الإرهابية يكون ممهدا، والانضمام للقاعدة وداعش سهلا وميسورا، والمخدرات أمر محبب وهين للنفس!

علينا أن نعترف بالتقصير تجاه الشباب، الدولة، والمجتمع الأهلي، وأعود إلى انتهاء شهر الانتصارات، أكتوبر العظيم، والحل لإعادة الانتماء أمر سهل وميسور، في الستينيات كانت الحصة الأولى في المدرسة عن الأحداث التاريخية مثل عيد الجلاء، عيد الوحدة، عيد النصر، وكانت المدارس تنظم موكبا للتلاميذ يتقدمه علم مصر ونهتف ونغني أناشيد وطنية، الآن لماذا لا يتم وضع برنامج دائم في جميع مدارس مصر وجامعاتها على لقاءات مع أبطال مصر في أكتوبر، وفي كل المجالات، حتى يتعرفوا على تاريخ مصر والدماء التي سالت من أجل الحفاظ على طهر ترابها..

في حرب الاستنزاف وأكتوبر قدمت مصر آلاف الشهداء والبطولات المعجزة، ومن خلف بطولات الجبهة كانت بطولات الشعب المصري الذي عاش في الخنادق ستة سنوات بتعبير الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، وبالعودة للوراء يمكن أن يعرف الشباب أكثر عن سميرة موسى عالمة الذرة التي اغتيلت على يد الموساد، على الشباب أن يعرفوا كفاح من سبقهم ممن بذلوا الدماء والجهد والعرق من أجل تصبح مصر أفضل.

هل الوصول للشباب صعب!؟.. إطلاقا.. من خلال أربعة آلاف مركز شباب يمكن تفعيلها لممارسة الحوار، والتنمية البشرية، والرياضة للجميع وليس ممارسة الرياضة من أجل البطولة، يمكن الوصول للشباب من خلال ألف موقع لوزارة الثقافة منهم ستمائة قصر ثقافة تم إهمالهم، يروي اللواء حاتم عبد اللطيف أحد أبطال المزرعة الصينية مع المشير طنطاوي في حرب أكتوبر أنه شارك في عشرات الندوات عن حرب أكتوبر لكنه الشهر الماضي شارك في ندوة مدرسية فكانت الأفضل على الإطلاق لتجاوب الأطفال معه والالتفاف حوله..!

ويؤكد ذلك المعنى عندما ذهب د.نبيل الطوخي لإحدى المدارس مجاملة لابنته، وكانت المفاجأة المذهلة التفاف الأطفال وأسئلتهم التي لم يتوقعها منهم!.. الحل بسيط لو أردنا فعلا الأخذ بقادة المستقبل.. شبابنا هم المستقبل رضينا أم لم نرض!
وتحيا مصر.. تحيا مصر!
الجريدة الرسمية