مدير الاتحاد التعاوني: الحكومة لم تلتزم بالدستور بشأن السياسة الزراعية والجمعيات تحولت لدكاكين
- "التعاونيات" لم تخرج من عباءة التبعية حتى الآن
يضاعف المحتكرون أوجاع المصريين، مافيا الحياة لا ترحمهم، يقسو الغلاء عليهم، ينكأ جراحهم كل يوم، يجرِّف جيوبهم، يخرج لسانه لهم، يهزأ بهم، فيما تلتزم الحكومة الصمت المريب فشلًا أو تواطؤًا. الارتفاع الجنونى لأسعار البطاطس والطماطم.. لن يكون المشهد الأخير في مسلسل تجويع المصريين وإذلالهم. لقمة العيش صارت نادرة في زمن الاحتكار والمحتكرين. مشهد ضبط الأجهزة الرقابية لمخازن وثلاجات البطاطس وصمة عار في جبين أصحابها. الضمير المصرى أصبح غائبًا مرفوعًا من الخدمة، لا يتألم لألم، ولا يحزن لحزن، يتعامل مع الفقراء بقلوب تخلو من الإنسانية، وضمائر لا تعرف الرحمة.
في مصر الموصوفة بالبلد الزراعى، أو التي كانت هكذا، يتضور الفقراء جوعًا. أصبح الحصول على كيلو جرام من البطاطس أو الطماطم خامس المستحيلات الأربعة، التاريخ لا ينسى، ولا يتم إكراهه على النسيان، التاريخ أقوى من المؤرخين المدلسين والمرتزقة. تغيب السياسات الزراعية الرشيدة، حكومة وراء حكومة، تعم الفوضى، يرتبك القرار، يتحكم أصحاب المصالح في صانعيه، تهب على المصريين موجة مجنونة من ارتفاع الأسعار، يغضب الفقراء ومحدودو الدخل، تغلى صدورهم فتصبح مراجل للغضب، تبحث الحكومة عن مسكنات ساذجة، يهدأ الغضب قليلًا، ثم سرعان ما يعود مجددًا مع طفرة جديدة من الاحتكار والاستغلال.. مافيا الحياة أصبحت في حاجة لمن يطلق عليها رصاصة الرحمن، وليس من يتواطأ معها.. ""فيتو" تناقش هذه القضية وأسبابها وتداعياتها ووسائل التعامل معها في هذا الحوار مع خالد حماد، مدير عام الاتحاد التعاوني المركزي، الذي أكد أن الحكومة لم تلتزم بتنفيذ بنود الدستور فيما يتعلق بالسياسة الزراعية لمصر، مشيرا إلى أن الدولة لا تحدد للفلاح سعر المحصول إلا بعد موسم الحصاد، وهو ما يجعل الفلاح يلجأ إلى زراعة محاصيل بعينها تحقق له أرباحا سريعة دون الانتظار للأسعار المعلنة من الدولة.
"حماد" أكد أن الجمعيات الزراعية تحولت في السنوات الأخيرة إلى "دكاكين" لبيع الأسمدة فقط، وفي حال تحرير سعر الأسمدة فإن تلك الجمعيات ستغلق أبوابها في الحال، مشيرا إلى أن العاملين بالتعاونيات لم يتخلصوا من التبعية للحكومة رغم أن القانون يعطيهم حرية التحرك وفتح مجالات إنتاجية تساعد في تسويق المنتجات الزراعية.. وإلى نص الحوار:
يعاني الفلاح أزمة تسويق حاصلاته دائما.. لماذا لا يتولى الاتحاد تلك المهمة؟
اختصاصات الاتحاد التعاوني الزراعي وردت في القانون رقم 71 لسنة 1980 ولم يرد بها القيام بالعمليات التسويقية إنما وردت في مواد القانون أن ينشأ في الاتحاد صندوق لدعم الجمعيات الزراعية الضعيفة وأي جمعية يمكنها الحصول على القرض باستيفاء الشروط لكن الجمعيات التي تندرج تحت مظلة كيان الاتحاد هي المسئولة عن التسويق، وهذا أحد مهامها الأصيلة.
إذن.. لماذا لا تسوق الجمعيات الزراعية إنتاج المزارعين أعضائها؟
بوضوح لأن الجميعات إذا جمعت المحاصيل فلمن ستسوق المنتج، وذلك ليس حجة لتَملصها من مهامها فهي لا تملك مشروعات إنتاجية كبيرة تسوق لها المحصول كالمصانع مثلا أو مزارع التربية وهو ما يجب أن تملكه الجمعيات وتستثمر فيه كنماذج التعاون الزراعي في العالم، وفي المقابل فإن القطاع الخاص لا يستجيب لتسوق المحصول من الجمعيات الزراعية وأزمة تراجع اتحاد مربي الدواجن عن شراء الذرة من الجمعيات بعد توقيع عقد بذلك برعاية وزارة الزراعة خير دليل على كلامي وأيضا ما حدث في القطن وتراجع الشركات الكبرى ومنهم الشركة القابضة عن استلام القطن من الجميعات.
وما السبب في عدم عمل الجمعيات الزراعية الثلاث (التعاون – الإصلاح – الاستصلاح) لمشروعات إنتاجية كبرى؟
جمعية واحدة فقط هي التي تملك مشروعات إنتاجية في تربية الدواجن والعجول وبيض المائدة وهي جمعية الإصلاح الزراعي، وما عدا ذلك فإن الجمعيات الزراعية لا تقوم بمهامها في التسويق وإقراض المزارعين وتوفير مستلزمات الإنتاج بالكامل للفلاح وعمل مشروعات تنموية، للإضافة للإنتاج الزراعي واستيعاب إنتاج أعضائها، فالجمعيات الزراعية الآن عبارة عن دكاكين لبيع الأسمدة المدعمة من الدولة وهذا هو نشاطها الوحيد الآن، وتأكد أنه في حالة تحرير الدولة لسعر الأسمدة فإن تلك الجمعيات ستغلق أبوابها على الفور.
ما الفارق بين التجربة التعاونية في الستينيات وما يحدث الآن؟
في الستينيات كان للدولة دور مهم جدا في التسويق الزراعي وضمان حقوق الفلاحين، فكان هناك ما يسمى بالتسويق التعاوني الإجباري وكانت الدولة تتعاقد على تصدير حاصلات معينة كالبرتقال والبصل مثلا وكانت تصدر البرتقال لروسيا في الغالب والبصل يصدر كمحصول أو مجفف في مصانع التجفيف التي كانت تملكها الدولة وتم تصفيتها ونعاني الآن بسبب ذلك بالطبع، لكن الآن انسحبت الدولة من منظومة التسويق وطالبت التعاونيات أن تؤدي مهمتها الأساسية وهي تسويق المحاصيل وإنشاء المشروعات التنموية وهو ما لم ولن يحدث لأن الجمعيات لا تملك السيولة المالية لتسويق أي محاصيل إلى جانب أن تصرفها في الأصول التي تملكها لن يوفر لها السيولة للتسويق أو الأقراض، إلى جانب أن الجمعيات لا تملك إدارات للتسويق الخارجي يمكنها من إبرام تعاقدات مع الدول المستوردة.
إذن هي حالة عجز كامل تعاني منها التعاونيات؟
تلك الحالة سببها أن المنخرطين في العمل التعاوني لم "يفطموا" بعد من تبعيتهم للدولة وتصرف الحكومة في كل شيء وهو ما يخالف المبادئ التعاونية في الأصل، فالتعاوني المصري ليس لديه استعداد لتحمل مسئوليات كبيرة والعمل المنفرد والتفكير بشكل متحرر بعيدا عن محاولة الاختباء وراء الدولة التي تريد أن تمارس الجمعيات التعاونية عملها في التسويق والتنمية، لكن رغم هذا لدينا مثال ناجح للجمعية الزراعية للمحاصيل الحقلية بالغربية التي تعمل في تسويق محاصيل أعضائها ولديها مشروعات تنموية نجحت في إقامتها للإنفاق على مستلزمات الإنتاج، وتمتلك شونة لتخزين القمح.
إذن الأزمة في نقص الكوادر؟
نعم هي كذلك لكن بنسبة 60% من المسألة، لكن النسبة الباقية تعود للتشريعات التعاونية التي يجب دراستها جيدا وربطها بالمبادئ الدولية للتعاون الدولي، إذا كنا نريد حركة تعاونية حقيقية وليست كيانات بلا فاعلية، فعلينا أن نلتزم بالمواثيق والأعراف الدولية التي نص عليها الحلف التعاوني الدولي، وهي الديمقراطية في الإدارة للتعاونيات، استقلاليتها، الرقابة الذاتية، والعمل التطوعي، موارد التمويل الذاتي وتسويق المحاصيل، وتوفير التدريب اللازم للمزارعين، والانتشار في المجتمع المحلي، وحرية العضوية، وهي المبادئ التي تدعم وتؤسس لحركة تعاونية قوية يمكنها أن تواجه الكيانات الرأسمالية.
وهل تلك المبادئ هي سبب قوة الفلاحين وتأثيرهم في دولة كفرنسا مثلا؟
نعم لأن الفلاح بتطبيق هذا المبدأ يكون له الحرية في اختيار من يمثله، وبالتالي تنشأ الثقة بينه وبين الإدارة التي اختارها، ويشعر أيضا بملكية هذا الكيان فيكون الأداء على الوجه الأمثل من مكونات المنظومة التعاونية ككل، وتحترمها الحكومات، لكن على الجانب الآخر في مصر ما زلنا نحمل داخلنا كما أشرت سابقا جينات التبعية للدولة في كل شيء، لذلك فإن التعاونيات لدينا خاوية من المضمون، كما أن في مصر العضوية في التعاونية إجبارية بمعنى أن الفلاح صاحب الأرض مجبر على العضوية في الجمعية التعاونية التي يقع في نطاقها الجغرافي وإذا لم يكن عضوا فسيُحرم من مستلزمات الإنتاج المدعمة، وهو مبدأ مهم في توفير مناخ جيد للعمل في التعاونيات الذي يستلزم التطوع الكامل.
لماذا لا تشارك التعاونيات القطاع الخاص في مشروعات تنموية طالما أنها تعاني نقص السيولة؟
أهداف التعاونيات مختلفة عن المستثمر الذي يبحث عن الربح بالدرجة الأولى وهو حق مشروع، لكن التعاونيات تعمل بشكل مختلف فهي إدارة تطوعية وتهدف إلى جلب أكبر ربح للفلاح، بينما المستثمر يعمل على العكس وهو الحصول على المنتج الزراعي من الفلاح بأقل سعر ممكن وهو تضارب في الأهداف والمصالح لا يترتب عليه توافق للشراكة في الأصل، لكن رغم ذلك تعديلات قانون التعاونيات رقم 204 لسنة 2014 أتاحت للجمعيات الزراعية أن يشاركها مساهمون من خارجها في المشروعات التي تنشئها بنسبة لا تزيد على 25% من رأس المال وألا يترتب على تلك المساهمة أي حقوق للمساهمين في عضوية مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية، وفي رأي هو شرط ينفر القطاع الخاص من شراكة الجميعات التعاونية.
ما الأمور التي يجب أن تدركها الدولة في تعاملها مع الزراعة والتعاونيات؟
أعتقد أن الدولة تحتاج إلى إدراك أن مصر لديها باع في التعاويات منذ عام 1908 لكن حدث تطورات في الأجهزة التعاونية في العالم لم نواكبها فتأخرنا كثيرا ويجب أن تتضافر الجهود لتقوية التعاونيات وإزالة السلبيات التي تعوق تطورها، كما أن الدولة لم تلتزم بتطبيق دستور 2014 الذي نص على أن الدولة تلتزم بشراء المحاصيل الزراعية من المزارعين، ولم تفعل هذا النص في المحاصيل الرئيسية حتى كالأرز والذرة والقطن، إلى جانب ذلك يجب على الدولة أن تعلن الأسعار التحفيزية للمحاصيل قبل موسم الزراعة، حتى يقبل الفلاح على زراعتها لضمان الربحية، لكن ما يحدث أن الدولة تعلن الأسعار بعد انتهاء موسم زراعة المحاصيل وأكبر دليل هو محصول القمح الذي ينافسه في المساحة محصول البرسيم المربح للفلاح فيلجأ لزراعة الأخير بدلا من انتظار إعلان الدولة لأسعار منخفضة للقمح بعد انتهاء موسم زراعته رغم كون القمح هو المحصول رقم واحد من حيث الأهمية الإستراتيجية.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"