رئيس التحرير
عصام كامل

القاعدة التي صارتْ استثناءً


القاعدة التي لا يمكنُ أنْ يعترضَ عليها عاقلٌ وذو بصيرةٍ هي: أنْ يتمَّ وضعُ الشخص المُناسب، رجلًا كان أو امرأة، في المكان المناسب، لأنَّ ذلك يعنى تحقيق الحد الأقصى من النجاح المطلوب، ولو تمَّ تطبيقُ تلكَ القاعدة في مصر بلا أدنى استثناء، ما رأينا مسؤولًا فاشلًا أو عاجزًا أو فاسدًا أو مُتلاعبًا أو مُرتشيًا أو مُرتعشًا. ولكنَّ تلكَ القاعدةَ أصبحتْ، بمرور السنين، استثناءً بغيضًا في بلادنا.


للأسفِ.. لا يجبُ أنْ تكونَ مُؤهلًا تأهيلًا حقيقيًا، لما تحصلُ عليه من منصبٍ أو مالٍ أو وجاهةٍ. الأمرُ أيسرُ منْ ذلك بكثيرٍ. هناك مُقوماتٌ أخرى يجبُ أنْ تحوزَها، ليسَ منْ بينِها كما تظنَّ أو تتوهمَ الكفاءة والمهارة. إنْ كنت تظنُّ ذلكَ فأنتَ - يا عزيزى - واهمٌ، ومكانُك ليسَ بيننا، بلْ اذهبْ إلى حيثُ يعيشُ الواهمونَ، أو ابحثْ لكَ عنِ "مدينةٍ فاضلةٍ" لا تعيشُ على الكذبِ ولا تركعُ للباطل، ولا تسجدُ للضلال، ولا تُخاصمُ الفضيلة، ولا تُخالفُ الدساتيرَ.

وحتى لا يكونَ الكلامُ مُرسلًا.. دعْنى أضربْ لك الأمثالَ: ماذا يعنى ترشيحُ مهرجان القاهرة السينمائى فنانًا عاشقًا لإسرائيل لتكريمه؟.. وماذا يعنى تعيينُ دبلوماسىٍّ مُتقاعدِ مقطوع العلاقة بالثقافة والمثقفين مديرًا لمكتبة الإسكندرية؟.. وماذا يعنى تكليفُ لاعبٍ سابق، يتباهى في جميع إطلالاته التليفزيونية، بنزواته النسائية وخطاياه غير الأخلاقية ليكونَ مُشرفًا على مشروع كروى كبير يستهدفُ تخريجَ ألفِ مُحترف؟..

وماذا يعنى اختيارُ كاتبة مُبتذلة معدومةِ الموهبة لتكونَ عضوًا بإحدى لجان معرض الكتاب في نُسخته المُقبلة؟.. وماذا يعنى تكليفُ مسئول مُتقاعد، لا يحملُ أرشيفُه نجاحًا يُذكر، بمنصبٍ رفيع؟.. وكيف يتم استدعاءُ الفاشلين من صوامعِهم ووضعُهم على رءوس منْ يفوقونهم كفاءة؟.. كيف يتظاهرُ حاملو الماجستير والدكتوراه على رصيف مجلس الوزراء، بحثًا عن حقوقهم المُهدرة، في الوقت الذي سبقَهم في انتزاع تلك الحقوق أصحابُ التقديرات الضعيفة ومدمنو الرسوب لأسبابٍ يعلمُها القاصى والدانى؟.

الإجابة عنْ ما تقدمَ من أسئلةٍ سوفَ تقودُك إلى نتيجةٍ حتميةٍ وهى: أن أسبابًا كثيرة، ليس من بينها الكفاءة، للقفز على المناصب واغتصاب الحقوق والحصول على ما لا تستحق، أبرزها: أنْ تكونَ عضوًا في "شلةٍ متنفذةٍ"، أو فردًا في "مجموعةِ منتفعين"، أو عنصرًا في "جماعة ضغط"، أو مُنبطحًا مع "المُنبطحين".

سوفَ أسوقُ لك واقعتين، الأولى كانت قبل الثورتين، والثانية بعدَهما، ولكلمة "الثورتين" هنا دلالة مقصودة يفهمُها الفاهمون! أما الأولى: فكان بطلها "سيد القمنى" الذي لم يتركْ دينًا دون أن يطعن فيه، أو نبيًا دونَ أنْ يُسئ إليه، أو كتابًا مقدسًا دونَ أنْ يسخرَ منه، ورغمَ ذلك لم تخجلْ "شلة الأنس" بالمجلس الأعلى للثقافة من ترشيحه لإحدى جوائز الدولة التقديرية، قبلَ أنْ تنتفضَ هَبَّة غاضبة لوقف هذه المهزلة التي كانتْ حديثَ الصباح والمساء.

أما الواقعة الثانية: فكانتْ الأسبوع الماضى، وبطلها رئيسُ أحد الأحياء الذي تم تعيينُه قبل 50 يومًا فقط، حيث تم توقيفه برشوة، وبينَ الواقعتين، وقبلهما وبعدَهما، سوف تتكررُ تلكَ المشاهدُ الهزلية.

كلُّ ذلك ما كانَ ليحدثَ لو أنَّ هناك "شفافية ونزاهة وعدالة ومصداقية وجدية" في اختيار أصحاب المناصب والتكريمات والجوائز، ولكنْ ما يحدثُ هو العكسُ تمامًا. وإذا خرجَ مسؤولٌ يومًا ما ليقول لك: "انتهى زمنُ الواسطة والمجاملات سواء في الالتحاق بالوظائف المهمة أو بالكليات ذات الطبيعة الخاصة"، فلا تصدقْه، هو يعلمُ قبلك أنه يكذبُ.

ليتَ هذا الأمرَ يكونُ استثناءً، ولكنَّه -بكلِّ أسى وأسفٍ- تحوَّلَ إلى قاعدةٍ راسخةٍ رسوخَ جبال الهملايا. ولن ينصلحَ حالُ البلاد والعباد إلا إذا عادتْ الأمورُ إلى نصابِها الصحيح، وحصل كلُّ ذى حقٍّ على حقِّه، واختفى العاجزون وأصحابُ السجلاتِ الحافلةِ بالفشل والإخفاق من المشهد تمامًا، وتم وضعهم في المكان الذي يستحقونه ويستحقُّهم.. فهل نحن فاعلون؟!
الجريدة الرسمية