جهود الإمام الأكبر، قوة ناعمة بين الشرق والغرب
تشرفت بحضور الندوة الدولية التي أقامها فضيلة الإمام الأكبر أ. د أحمد الطيب شيخ الأزهر في مركز مؤتمرات الأزهر في الفترة من الإثنين 22 أكتوبر وحتى الأربعاء 24 أكتوبر 2018 تحت عنوان الإسلام والغرب تنوعٌ وتكامل، والتي حضرها صفوة حكماء العالم وتناقلتها وسائل الإعلام في العالم كله.
وأنصتُ بشغف وفخر كأزهرى يعتز بأزهريته إلى مولانا شيخ الإسلام وهو يشير فضيلته إلى "أن الشرق أديانًا وحضارات ليست له أي مشكلة مع الغرب سواء أخذنا الغرب بمفهومه المسيحى المتمثل في مؤسساته الدينية الكبرى، أو بمفهومه كحضارة علمية مادية، وذلك من منطلق تاريخ الحضارات الشرقية ومواقفها الثابتة في احترام الدين والعلم.
كما أوضح فضيلته أن انفتاح الأزهر الشريف لى كل المؤسسات الدينية في أوروبا، والتجاوب الجاد من قبل هذه المؤسسات أقوى دليل على إمكانية التقارب بين المجتمعات الإسلامية في الشرق والمجتمعات المسيحية في الغرب وهذا التقارب قد حدث ويمكن أن يحدث.
وكشأن كل الحاضرين والمتابعين لجهود مولانا داخل مصر وخارجها في مجال السلام بين الشعوب والحضارات والثقافات، أدركت تمامًا وتيقنت أن فضيلة الإمام الشيخ الطيب اصبح مشروع قوة ناعمة ضخمة للإسلام والمسلمين عامة ولمصر خاصة.
والقوة الناعمة"Soft Power" لمن لا يدرك مفهومها هي:
قوة الأفكار والمبادئ والأخلاق والجوانب الإنسانية ومصداقية التعامل مع الناس. مثل نشر السلام والتقارب بين الحضارات والثقافات والدعوة للجوانب الإنسانية المشتركة والصلح بين الخصوم ويدخل في ذلك الفن والثقافة، إلخ.
وهذا الوصف أول من أطلقه هو جوزيف ناى من جامعة هارفارد لوصف القدرة على التأثير في الرأى العام بالحجة والبيان وحسن التواصل مع الآخر.
إن المئات من عقول العالم وفيهم رؤساء دول وحكومات سابقين ومفكرين وكتاب ومثقفين من قارات الأرض كلها في رحاب الأزهر على أرض الكنانة يتباحثون بشفافية وصدق مشكلات التواصل بين الإسلام والمسلمين وبين الغرب بمؤسساته الدينية والثقافية لهو دليل من عشرات الأدلة على أن فضيلة الإمام الأكبر أ. د أحمد الطيب تجاوز شخص أستاذ الفلسفة في جامعة الأزهر، بل وتجاوز منصبه كشيخ للأزهر، وأصبح مشروعًا كبيرًا للسلام بين أتباع الأديان وبين حضارة الشرق وحضارة الغرب في عصر معقد بالصراعات! كما حقق فضيلته الحلم الذي كان يسعى إليه أستاذه مولانا العارف بالله الإمام الأكبر عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله.
فقد ذكر الإمام الراحل عبد الحليم محمود في كتابه القيم أوروبا والإسلام، موقفًا معه بعد رجوعه من السربون، يقول: في عام ١٩٤٨م كان معي أحد العلماء الأمريكان نطوف في ربوع الأزهر الشريف، فدخلنا على لجنة الفتوى بالأزهر التي كانت منعقدة في هذا التوقيت وفيها المرحومان الشيخ عبد المجيد سليم -كان شيخًا للأزهر فيما بعد- والشيخ العناني، وبعد التحية خاطب العالم الأمريكي الشيخ عبدالمجيد سليم قائلًا: (إن الغرب الآن في حالة روحية مضطربة متأرجحة، ويحتاج إلى التواصل مع الإسلام والمسلمين!!، ولكن من المحتمل أيضًا أن يتجه نحو صوفية الهند! فهل أعد الأزهر برنامجًا لتوجيه الغرب للتواصل مع الإسلام؟!
يقول الإمام: كان سؤالًا مربكًا وأجاب الشيخ عبدالمجيد سليم بلباقة: نحن بصدد البحث والدراسة. انتهى كلام الإمام.
وبعد سبعين سنة تقريبًا يتحقق حلم مولانا فضيلة الإمام عبدالحليم محمود على يد تلميذه مولانا الإمام الأكبر أ. د أحمد الطيب.
وكأن الله تعالى قدر أن يتولى فضيلته مسئولية الأزهر في هذا التوقيت العصيب، ليكون شمعة سلام تضيء وسط ظلام الصراع لكل من يبحث عن السلام والإنسانية في العالم!
وساعد على ذلك التكوين النفسى والتربوى والعلمى لمولانا فضيلة الإمام الأكبر.. فهو مشحون بالأنفة الأخلاق والصدق والسلام النفسى وحب الكرامة الإنسانية فضلًا عن انفتاحه على كل الثقافات والحضارات وهو من الأزاهرة القلائل الذين يجيدون الفرنسية والإنجليزية ودرس في السربون وترجم بعض الأعمال من الفرنسية إلى العربية..
واستطاع فضيلته بجدارة أن يجعل الأزهر الشريف مستقلًا خادمًا للدين والوطن والأمة كلها دون أن يكون تابعًا، كما استطاع فضيلته الصمود بالأزهر أمام هجمه الإخوان الماسون الذين كانوا يدبرون لجعل الأزهر في خدمة الجماعة !! ورفض فضيلة الإمام الأكبر الدخول في معارك ضيقة تصرف الأزهر عن رسالته في الداخل والخارج.
وبعد أحداث عام 2011 جمع شمل النخبة المصرية التائهة تحت سقف الأزهر للحفاظ على مصر من السقوط إلى أهداف الفوضى الخلاقة فخرجت خمس وثائق كانت بمثابة عمود الخيمة لمصر في هذه الفترة!
وحارب فضيلته التطرّف والإرهاب بصدق واخلاص وكان له دور بارز في إفشال مخطط الجماعات المتطرفة لخطف الإسلام والمسلمين والدولة المصرية، فانضم إلى ثورة الثلاثين من يونيو للحفاظ على مصر من السقوط إلى الهاوية وتحمل أعباء لا يقدر على تحملها سوى العظماء.
كما رفض هو وقداسة الأنبا تواضروس استقبال نائب الرئيس الأمريكى عقب القرار الأحمق بنقل سفارة أمريكا إلى القدس، كل هذه المواقف وغيرها أعطت لمولانا فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الطيب شيئين في غاية الأهمية على المستوى العالمى هم "الصدق والثقة".
فهو إمام صادق في أقواله وأفعاله ومواقفه، وبالتالى وثقت فيه شعوب وحكومات ومؤسسات العالم!
وكما يقولون في العلوم الإنسانية "في عصر المعلومات، المصداقية أندر المواقف".. وبالتالى حظى الإمام بتقدير عالمى بسبب صدقه ومواقفه العظيمة.
وهذا يفسر لنا حفاوة الاستقبال لمولانا الإمام من قبل رؤساء دول العالم ودعوته إلى البرلمانات الأوروبية لإلقاء كلماته الحكيمة المؤثرة لتعريف الشعوب بالإسلام وبحضارتنا في الوقت الذي يوجد في الغرب من المسلمين من تقوده عصبيته إلى الصدام حتى مع المسلمين، وهذا النموذج لا شك أنه مزعج للشرق والغرب، للمسلمين وغير المسلمين، وكثيرًا ما يبرر عدوانيته بالقرآن والسنة ويسوّق القتل والتدمير على أنه شرع الله المنزل من السماء وربما لظروف كثيرة انتشر التطرف والتعصب بين أفراد الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا خاصة في أوروبا الغربية ودول اسكندنافيا..
ومن أسباب ذلك لجوء أفراد الجماعات المتطرفة إلى أوروبا في الثلاثة عقود الأخيرة من القرن العشرين لجوءًا سياسيًا، وقاموا بممارسة الدعوة في المراكز الإسلامية المنتشرة في مدن أوروبا، ونشر أفكارهم وفتاويهم بين الشباب المسلم ومنهم الشباب الأوروبي المسلم، وهذا يفسر التحاق المئات من الشباب الأوروبي المسلم بتنظيم داعش الإرهابي!!
إن وجود التطرف الفكري في الغرب ونشاطه تحت غطاء وحماية الحكومات الأوروبية من أبرز انتشار التطرف والإرهاب في العالم كله. فأصبحنا أمام معادلة، العداء للإسلام والعداء للغرب، ومتعصبي الغرب ومتعصبي الإسلام، وإعمالًا لنظرية لكل فعل رد فعل، تحدث الإساءة للإسلام ولنبيه، وأيضًا تحدث الجرائم من قبل متعصبي المسلمين وبالتالى يبرز دور مولانا فضيلة الإمام الأكبر كمشروع قوة ناعمة للمسلمين في هذا الواقع المعقد لنزع فتيل الصراع الذي يشعله المتعصبون من الطرفين!
وبالتالى دعم مشروع فضيلة الإمام الأكبر أصبح واجبًا على كل المستويات.
أدعو الله تعالى أن يمتعه بالصحة والعافية والتوفيق والسداد وإننى لفخور بأن مولانا فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الطيب أستاذى وشيخى وعلى دربه أسير بإذن الله ولمشروعه نعمل والله الموفق والمستعان.