رئيس التحرير
عصام كامل

انتخابات ولاية هيسن أمل الاشتراكيين بألمانيا

فيتو

لم تكن نتائج استطلاعات الرأي سيئة بالنسبة للاشتراكيين كما هي عليه الآن، لكن أملهم يكمن في انتخابات ولاية هيسن بعد غد الأحد 28 أكتوبر 2018، انتخابات مصيرية ليس للاشتراكيين فقط، بل وللمستشارة ميركل أيضًا.

وفي خضم الحملة الانتخابية في ولاية هيسن، لم يبدأ النهار جيدا بالنسبة لحافلة الاشتراكيين الحمراء التي تنقل زعيمهم والمرشح الأبرز لمنصب رئيس الوزراء في الولاية تورستن شيفر ـ غويمبل من مهرجان انتخابي إلى آخر. الحافلة التي يبلغ طولها عشرة أمتار بقيت واقفة ومحصورة بين حاجز للسكك الحديدية وسيارات كثيرة خلفها، سائقها لا يستطيع التحرك نحو الأمام ولا يستطيع الدوران ليعود إلى الوراء. حالة تجسّد وضع الاشتراكيين حاليا.

يمكن وصف وضع الاشتراكيين الألمان بأنهم على طريق مسدود، فهم لا يستطيعون العودة بمصداقية إلى موضوعهم التقليدي، الا وهو العدالة الاجتماعية، كما أنهم لا يستطيعون تبني مواضيع جديدة. إلى ذلك لا يستطيع الاشتراكيون حاليا الخروج من الائتلاف الحاكم مع حزب اتحاد ميركل المحافظ الذي يفقد يوما بعد آخر شعبيته.

الأسبوع الأخير
ورغم ذلك يواصل مرشح الاشتراكيين شيفر ـ غويمبل في ولاية هيسن حملته الانتخابية وكأن شيئا لم يكن. فهو يواصل طريقه لتحقيق هدفه في تولي منصب رئيس وزراء الولاية التي تعرف مدينتها فرانكفورت بالعاصمة المالية لألمانيا وربما قريبا لأوروبا أيضا. وها هو المرشح يقف في الصباح الباكر في محطة للقطار ليوزع القهوة والكعك على المسافرين المتنقلين بين بيوتهم وأماكن عملهم. لكنه لا يفرض نفسه على المسافرين الوافدين بقوة، بل ينتظر أن يبادر المسافرون لتناول القهوة والكعك ومعها اعلانات الحزب الاشتراكي في الحملة الانتخابية.

ينس تاوبر واحد من المارة يتباطأ قليلا ليأخذ من يدي المرشح الاشتراكي إعلان يذكر بموعد الانتخابات يوم الأحد الواقع في 28 أكتوبر 2018، ويضعه في جيب سترته ويقول إنه لم يحدد بعد لمن سيعطي صوته في الانتخابات. لكن ينس يمكن له أن يتصور انتخاب الحزب الاشتراكي الديمقراطي مبررا ذلك بالقول " لا يجب على المرء أن يركض دوما وراء الفائز المحتمل".

مأزق ميركل
مشهد الأحزاب السياسية في ألمانيا يتغير بسرعة فائقة وبشكل غير مسبوق في البلاد منذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية في عام 1949. فاستطلاعات الرأي تعطي الحزب الجماهيري أو الشعبي في عموم ألمانيا نسبة 15بالمائة من أصوات الناخبين. وبذلك يُعد الاشتراكيون هم الخاسر الأكبر في المتغيرات الجديدة في المشهد السياسي في البلاد. وهو الأمر الذي يشكل كارثة بالنسبة لرفاق الحزب الذين كافحوا من أجل حقوق العمال حتى في عصر القيصر الألماني، كما تمكن الحزب خلال مسيرته الطويلة من أن يتولى أعضائه خمس مرات منصب مستشار الرايخ قبل الحرب العالمية الثانية، وثلاث مرات منصب المستشارية في العصر الحديث.

وفي هيسن يناضل الحزب من أجل أن يتولى زعيمه شيفر ـ غويمبل منصب رئيس الوزراء بعد 20 عاما من هيمنة المحافظين من حزب ميركل على أعلى منصب في الولاية. وحاليا يقف الحزب الاشتراكي بمستوى حزب الخضر عند مزاج الناخبين بحدود 20 بالمائة. أما رئيس الوزراء الحالي، من حزب ميركل المحافظ، فيحصل على 26 بالمائة في استطلاعات الرأي.

وفي حال فوز شيفر ـ غويمبل في الانتخابات، فبإمكانه تشكيل ائتلاف حكومي مع الخضر وحزب اليسار، أو مع الليبراليين. ولكن وفي نفس الوقت سيكون فوز شيفر ـ غويمبل في الانتخابات بمثابة نهاية ولاية المستشارة انغلا ميركل. ففي حال خسر المحافظون في انتخابات هيسن، فيساهم ذلك في تأليب الأجواء ضد ميركل داخل حزبها، حيث سينتفض المعارضون لها داخل معسكر المحافظين ويطيحون بها في المؤتمر الحزبي القادم في شهر ديسمبر المقبل، وهو المؤتمر الذي تعتزم فيه ميركل الترشح لرئاسة الحزب لعامين قادمين على الأرجح. ولكن في حالة خسارة الاشتراكيين في الانتخابات وتحول الحزب إلى قوة سياسية على هامش المجتمع، فسيؤدي ذلك ربما إلى دفع قيادة الحزب في برلين لإنهاء التحالف مع اتحاد ميركل المسيحي، ما يعني نهاية ميركل سياسيا. كما يجب أن تقدم زعيمة الاشتراكيين على مستوى الاتحاد اندريا ناليس استقالتها من رئاسة الحزب.

وقف زيادة الإيجارات
بيد أن المرشح الاشتراكي لا يريد أن يسمع كلمة انتخابات مصيرية ويقول في حديث مع DW: " لا أعير أي اهتمام لمثل هذه المبالغات". وحتى عندما يتحدث مع الصحافة العالمية مثل "واشنطن بوست" وغيرها يحاول شيفر غويمبل التركيز على حملته الانتخابية وخصوصا التركيز على ما يهم الناخب في الولاية. عن ذلك يقول شيفر غويمبل: " ملف السكن يشكل الأولوية على جدول البرنامج الاجتماعي في عصرنا الحالي". فهو يطالب بقانون يمنع رفع الإيجارات عن نسبة معينة. وحسب رأي الاشتراكيين تجوز زيادة الإيجارات سنويا فقط بنسبة تعادل حجم التضخم بحدود 2 بالمائة.

وبهذه الفكرة يسعى المرشح الاشتراكي إلى إقناع الناخبين في المدن الكبيرة مثل فرانكفورت ومحيطها. لكن على حافلة المرشح الاشتراكي مواصلة الرحلة للوصول إلى أماكن تجمع رفاق حزبه في هذا اليوم لتوزيع بيانات وملصقات الحملة الانتخابية.

حزب عمالي بدون عمال
شيفر غويمبل يناقش المارة في مدينة أوفنباخ في أمور كثيرة يعد خلالها بإصلاح ما افسدته الحكومة الحالية. ومما يعنيه ذلك تجاوز نواقص الحياة اليومية مثل قلة عدد المعلمين في المدارس وسوء المواصلات في بعض المناطق من المدينة.

يذكر أن مدن مثل أوفنباخ كانت لسنوات طويلة في قبضة الاشتراكيين وذلك بفضل العدد الكبير من العمال في مصانع الحديد والكيمياء وصناعة الجلود. معظم هؤلاء العمال كانوا ينتخبون الاشتراكيين في كل عملية اقتراع. لكن ذلك كان قبل 40 عاما.
وتلك الصناعات لم تعد موجودة وحل محلها قطاع الخدمات. الاشتراكيون مازالوا يعانون من هذا التغير البنيوي في المجتمع. كل المارة الذين لا يقفون عند طاولة الاشتراكيين وسط أوفنباخ لا يحملون رأيا إيجابيا عن الحزب الاشتراكي.

في مواجهة الرياح المضادة
المنتقدون للاشتراكيين يعيبون عليهم فقدانهم لأي أفكار جديدة، كما يقول المواطن فولفغانغ ميللر الذي كان يوما ما ناخبا اشتراكيا وبكل قناعة حاله في ذلك حال أكثر من 10 ملايين ناخب ألماني خسرهم الحزب الاشتراكي في السنوات العشرين الأخيرة. ويضيف ميللر إن الحزب يفتقد إلى شخصيات كاريزماتية مثل زعيم الحزب الراحل فيلي براندت.

المرشح شيفر ـ غويمبل يحاول أن يخوض حملته الانتخابية بغض النظر عن سلبيات الائتلاف الحاكم في برلين والرياح المضادة التي تشكلها على حملته ويقول: "علينا أن نتبنى المواضيع التي تهم حياة الناخب اليومية في الولاية". فأحقية وجود أي حزب سياسي في المجتمع تنبع من اهتمامه بهموم الناس ومشاكلهم اليومية، كما يقول المرشح الاشتراكي.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية