رئيس التحرير
عصام كامل

تأديب مافيا البطاطس


المتابع لحال السوق في مصر يرى من أمرها عجبا.. بين عشية وضحاها يقرر مجموعة محتكرين رفع أسعار سلعة معينة دون سابق إنذار.. وكأن المستهلك هو الطرف الأضعف في معادلة البيع والشراء.. ولقذ ذكرتني عصابة المحتكرين بأزمة الارتفاعات المتتالية بالأسعار التي تلت قرار تعويم الجنيه المصري.. حينما كنت تسأل بائعا في بقالة عن سبب ارتفاع أي سلعة بشكل مفاجئ فيقول لك: "الدولار غلي يا بيه"..


وأنا أكاد أجزم أن أيا منهم ما كان يدري ما معنى ارتفاع الدولار.. المهم أنها أسطوانة كانت محفوظة لديهم لتبرير الجرائم التي طالما ارتكبوها على طريقة "ركوب الموجة".. فباعو بضائعهم التي مر على تخزينها عام حينئذ بأسعار جديدة..

أيضا أطلَّت أزمة البطاطس بوجهها القبيح على المواطنين.. وما زالت عصابات الاحتكار تسوق مبرراتها الواهية وسط حالة من ضعف قبضة الدولة على التدخل لضبط حالة سوق الخضراوات.. ولست مقتنعا - باعتباري تربيت في قرية - أن يقفز سعر البطاطس أو أي نوع من الخضراوات إلى 12 جنيها ثم 15 جنيها تحت أي ظرف وإلا لأصبح الفلاح المصري مليونيرا ولترك الناس كلهم وظائفهم ولجأوا للعمل في الزراعة.

إن حالة الاستهزاء بالمستهلك المصري لا راد إلا الله، ثم مقاومة هادئة من هذا المستهلك بأن يقاطع السلعة لفترة قليلة من الوقت تأديبا لمافيا الاحتكار.. ولا أقول مقاطعة تامة بل لفترة وجيزة وأنا أثق تماما بأن تلك الوسيلة خير تأيب وتهذيب وإصلاح، وليبحث البائع وقتئذ عن مشترٍ لسلعته التي حتما سيتجه إلى خفض سعرها تدريجيا خوفا عليها من البوار، أو انتظارا للإنتاج الجديد، وأمامنا من الخضراوات كثيرا من نعم الله التي تعد بدائل متاحة عن البطاطس.. وللزوجة المصرية الأصيلة طبعا دورها في إدارة تلك الحرب المشروعة على المحتكرين لردعهم ووقف تلاعبهم بأقوات الناس.

أزعم أني أمتلك بحكم مسئولي الأسرية بعض الخبرة في شراء الخضراوات والفاكهة بيوم أخصصه أسبوعيا لذلك، وأذكر أنني ألاحظ المحتكر أو من ريد التلاعب وقد نزع السعر من البضاعة التي يبيعها تركا لمجال للفصال.. وذات مرة سألت بائعا عن سعر نوع من الفاكهة فقال لي سعرها 25 جنيها فتركته..

ومر أسبوع فعدت لأرى نفس الفاكهة وقد تبدل لونها وضعف قوامها فسألتها عن سعرها فقال 15 جنيها وأنا تحت أمرك.. الخلاصة هنا أننا نحن من نصنع المحتكرين وندعمهم بإصرارنا على تخزين المزيد من السلع خوفا من مزيد من زيادات جديدة في الأسعار.. 

«فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ».
الجريدة الرسمية