رئيس التحرير
عصام كامل

خلينا في البطاطس يا "فاروق"!


فيما تذهب قضية كبرى إلى الوسادة لتغط في السبات، مؤقتا، بفعل تلاقي مصالح إقليمية ودولية، يصبح الكلام في البطاطس واجبا وليس ترفا.. لأن الكلام في البطاطس أقل تكلفة من الكلام في اقتصاد البطاطس، الاقتصاد يقود للمصادرة والاعتقال، لكن اقتصاد البطاطس المهروسة والمحمرة والمعمولة في الصينية والمدفوسة بجوف الفرن، لن تؤدي إلا إلى نوم عميق، وربما شخير، وهو المطلوب إثباته.


سمعتنا الآن سيئة بعد القبض على "عبد الخالق فاروق" صاحب مسودة كتاب "هل مصر فقيرة حقا؟"، بتهمة بث أخبار كاذبة تؤثر على الاقتصاد المصري.

لا أعرف الخبير الاقتصادي "فاروق"، ولا يعنيني إلا أمرين: كيف تضيق حكومة بكتاب تحت الطبع، وكيف بلغها أن الكتاب به أخبار كاذبة، وهل من أبلغها هو الناشر ذاته؟ لكن الأخير هو أيضا مقبوض عليه.

الدنيا قامت ونامت وقامت واتهبدت على مقتل صحفي معارض لبلاده، فبلاده قتلته خنقا في شجار، حسب الرواية الرسمية، ونحن الآن نضيق بكتاب؟! لعل وقاحة الجملة التصديرية في الكتاب أنه رد على الجنرال عبد الفتاح السيسي كانت منبع الاستفزاز، ونحن لا نقر هذا الغمز الوضيع لأنه يجب صون مركز الرئيس السيسي الذي نكن له كل الحب والاحترام.

الكتاب ذاته جعل "عبد الخالق فاروق" تحت الضوء وكاميرات الفضائيات ومعها بالقطع تعليقات مفرطة عن أحوال حرية التعبير.

لا أظن أن معالجة الأفكار دواءها السجون، والجرجرة على النيابات، الكتاب يرد عليه بكتاب، وبآراء حكومية مسئولة، تفند الأكاذيب، وتطرح الحقائق.

لا يهمنا هنا سوى حرية التعبير المصونة بأمر الدستور، وبالطبع لا يحمي الدستور الأخبار الكاذبة، لكن القانون يعاقبها، فمن قطع أن الكتاب كاذب قبل طبعه ونشره، ومن قرأه قبل القارئ؟

الناس لا يهمها "عبد الخالق"، ولا "إسلام الخطيب" صاحب المطبعة، بل يهمها من هم اللصوص الاحتكاريون. ولماذا تتركهم الحكومة يمتصون دم وقوت وأعصاب الناس!

ومن عجب أن الحكومة وصلت بيت "عبد الخالق فاروق" في الشروق، وتاهت تماما عن بيوت التجار اللصوص الاحتكاريين المتحكمين في بطاطس الشعب!

ولا أعرف كيف تلقى الوزير الدكتور علي مصيلحي كلام "حاتم نجيب" نائب رئيس شعبة الخضراوات، أن التجار عطشوا السوق، ومنعوا خروج البطاطس من الثلاجات، فارتفعت أسعار البطاطس.

الحكومة تواجه بضراوة الإرهاب والعملاء، ولديها الوقت والقدرة والرغبة للقبض على مؤلف رأى بلده ليس فقيرًا، ليرد على وجهة نظر السيد رئيس الجمهورية، لكنها لا تعرف أسماء وعناوين وحسابات وخطط حفنة التجار اللصوص الذين يتاجرون بأقوات الشعب، بل هم للأسف يضعون الحكومة ذاتها في موقف مربك ومحرج أمام الناس.. يظهرونها عاجزة عن محاسبة أشخاص يتلاعبون بطبق الطعام الرخيص.

أتصور بقوة أن الرئيس السيسي لن يسمح أن يقال إن عهده قصف قلما، وحبس كاتبا، لم يحمل سيفا ولا قنبلة، بل حمل رأيا، وفكرا.. وكلاهما لا يعالج إلا بمثلهما، وهذه من الآراء المتكررة للرئيس: الفكر يقابله فكر.. وإذ ركزت على البطاطس، لأنها قوت العيال، فإني أعتذر للمؤلف "عبد الخالق فاروق"... عفوا يا "فاروق" فإن البطاطس أهم وألذ وأأمن!
الجريدة الرسمية