القصاص!
في قضية إزهاق روح الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" (أيًا كان ما ستسفر عنه النتائج النهائية للتحقيقات)، من المهم للغاية ألا تأخذنا الأحداث والملابسات الساخنة، التي تتعلق بهذا الأمر، بعيدًا عن الأمر الأساسي في هذا الموضوع، ألا وهو "وضاعة الفكرة"، لأن أشد ما لفت نظري وآلمني في هذا الأمر البشع، هو أن يكون هناك ما زال بيننا من يفكر بهذا الأسلوب اللاآدمي (أيًا كانت دوافعه أو مبرراته).
إن أسوأ ما يمكن أن تقدم عليه من غباء في التفكير والتصرف هو أن تفقد إنسانيتك، للدرجة التي تجعلك يمكن أن تقدم على التصفية الجسدية لمن يختلف معك في الرأى، (سواء كان محقًا، أو غير محق)، لأن فكرة ممارسة أي نوع من أنواع الإيذاء البدني أو النفسي أو المعنوي (مهما كان بسيطًا)، مع من يختلف معك في الرأي، هي في الأساس فكرة غير مقبولة على الإطلاق لكل من يتمتع بالحد الأدنى من الضمير الإنساني.
ولأن الشىء بالشىء يذكر، فلقد تذكرت على الفور، فور الاعتراف الشجاع من المملكة العربية السعودية بتأكدها من مقتل "خاشقجي" داخل حرم القنصلية، فيلما تسجيليا قصيرا (حقيقيا) شاهدته منذ نحو شهرين، أبطاله عبارة عن ذئب مفترس وثلاثة نمور وليدة وكلب صغير، وطوال أحداث الفيلم نرى المحاولات العديدة للذئب في محاولة التهام النمور الوليدة، وقيام الكلب الصغير بالدفاع المستميت عن هذه النمور، حتى تمكن في النهاية من إنقاذهم بحيلة ذكية، على الرغم من أنه أضعف بمراحل من الذئب المفترس.
وكم تمنيت حينئذ أن يرى جميع غلاظ القلوب من بني البشر هذا الفيلم، لكي يتعلموا من الكلب الصغير المعنى الحقيقي للشهامة والرحمة والمشاعر النبيلة.
ظني أن المملكة ستقدم جميع المتورطين في هذا الأمر البشع (أيًا كان عددهم ومناصبهم) إلى يد العدالة، لكي ينالوا عقابهم الرادع بإذن الله، وحتى يكونوا عظة وعبرة لكل من يفتأت على حرمات الله، ويطغى ويتجبر على الناس.. إن القصاص العادل ولا شىء سواه، هو الأمر الوحيد الذي سيدحض أي لبس أحاط بهذه القضية التي أصابت العالم العربي كله بغم كبير.