رئيس التحرير
عصام كامل

«تجويع الغلابة».. مزارعون وخبراء زراعة أكدوا أن هناك انفصاما بين ووزارة الزراعة والفلاح.. «برغش» يكشف عن جمعية تسيطر على سوق الصادرات.. و«فرج» الحكومة لا تملك رؤية حقيقية

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

الساعات الأولى من الصباح دقت، واستيقظ جميع أفراد المنزل استعدادا لبدء اليوم الجديد، كل يتهيأ للخروج إلى وجهته، الجميع ينتظر الفطور المعتاد "فول وفلافل وأصابع البطاطس المقلية في الزيت ولا بأس بالقليل من الطماطم وشرائح الخيار"، الأب "يخرج من جيبه ورقة نقدية فئة العشرين جنيها، يعطيها للزوجة لتحضر مكونات الإفطار من السوق القريب من المنزل، تخبره أن العشرين جنيها لم تعد تكفي لإعداد مائدة فطور متكاملة الأركان، الطماطم قفز سعرها إلى 15 جنيها، البطاطس تتأرجح ما بين الـ14 والـ15 جنيها، ارتفاعا جنونيا وطفرة لم تشهدها أسرة الأب الموظف بإحدى المصالح الحكومية صاحب الراتب الذي لا يتخطى الـ2000 جنيه.


المأكولات المحرمة
تلحق البطاطس بقائمة المأكولات "المحرمة" على المنزل "إلا في المناسبات" كاللحوم والكباب ووجبات "التيك أواي"، تستسلم أسرة الموظف البسيط للأمر وتعزف عن شراء البطاطس، ستقلص كمية الطماطم التي تحتاجها الثلاجة نصف كيلو يكفي ليومين أو ربما أكثر! أحد المسئولين أكد في تصريحاته الصحفية أن الدول الأوروبية لا تستخدم الطماطم في طهي الطعام، "الصلصة موجودة"! حتما لا يمكن أن تكون عائلة هذا الموظف أدرى من الحكومة.

مسئول آخر قال إن انفراجة أزمة البطاطس ستحل في غضون أيام قليلة، سينخفض سعرها إلى 8 جنيهات، انفرجت أسارير عائلة الموظف، أخيرا ستعود البطاطس على مائدة الإفطار وربما الغداء أيضا عما قريب، لكن حتى تُحل الأزمة كيف سيدبر مصروفات وجبة يومية تتكرر ثلاث مرات؟ أرز ودجاج وخضار وجبن وخلافه، شئون عدة باتت تعصف برأس المواطن التزامات يتضاعف ثقلها على كاهله، حتى الجملة التي كان يهرب بها من كل فخ أسري بضرورة توفير الأموال من أجل وجبة غداء ثمينة، وهي "حمروا شوية بطاطس" حادت عن المنطقية، بعد أن أصبحت تكلفة طبق البطاطس الذي يكفي أسرة مكونة من 5 أفراد قد تصل لعشرين جنيها وربما أكثر!

هذه الأسرة لم تكن وحدها هي التي وقفت مكبلة الأيدي أمام القفزة غير المسبوقة لأسعار البطاطس والطماطم، آلاف الأسر التي تنتمي للطبقة الاجتماعية ذاتها هالها ما حدث ويحدث في السوق المصرية، الذي وصفه خبراء ومتخصصون زراعيون أنه ناتج عن سياسة احتكارية يمارسها رجال الأعمال ضد المواطن بهدف تجويعه وإماته ببطء وأناة.

مافيا احتكار السوق الزراعي
من جانبه يعتقد محمد برغش، نقيب الفلاحين السابق أن الزراعة في مصر لم تعد مسألة الأمن القومي كما كانت سلفا، وإلا لم نكن نرى الفلاح يتعذب كل هذا العذاب، ولا يحصل على عائد يضمن له الستر والحياة الآمنة.

وأوضح برغش أن هناك فصاما بين الدولة ووزارة الزراعة تحديدا والفلاح، فالزراعة في مصر ليس لها راعٍ ومراقب وفقا للمادة 29 من الدستور، التي تتحدث عن التزام الدولة بشراء المحاصيل الإستراتيجية من الفلاح بما يكفل له العيش بكرامة، مشيرا إلى أن الدولة تهرب من تنفيذ هذه المادة.

وأضاف: "أصبح هناك قوتان غير متكافئتين، فالدولة أسست جمعية أهلية تسمى "هي" يمتلكها رجال الأعمال وأعضاء المجلس التصديري، وهم المتحكمون في التصدير ومستلزمات الإنتاج في مصر بشكل كامل، الدولة أوكلت لها التصدير وشروط التصدير، ومن يصدر وماذا يصدر وأصبحت الزراعة والفلاح عبيد عند تلك الجمعية، بينما هي وظيفة وزارة الزراعة والحجر الزراعي، وما حدث في مصر لم يحدث في الـ192 دولة زراعية في العالم"، لأن الدولة سلمت لهذه الجمعية رقبة الفلاح، وتحدد من يصدر، ومن لا يصدر ومن ثم الأسعار، ورجال الأعمال ينفردون بنا كفلاحين وصغار مصدرين، ويضربوننا ضربة موت".

وفيما يتعلق بالطفرة التي تحدث في أسعار المنتجات الزراعية خاصة البطاطس والطماطم ما بين سعرها على الأرض الزراعية وسعرها في الأسواق، قال برغش: "أنا كفلاح أريد أن أتخلص من المحصول وأجهز الأرض للمحصول القادم مما يضطرني لبيع المحصول بأبخس الأثمان، التجار اشتروا البطاطس ما بين 1500 جنيه و1800، ويبيعونها للأسواق بزيادة وصلت إلى 10 آلاف جنيه".

وحمل "برغش" رجال الأعمال القائمين على إدارة الجمعية المختصة بتنظيم عملية الزراعة في مصر مسئولية ارتفاع الأسعار بذلك الشكل، قائلا: "أصبح المستهلك في مواجهة مباشرة مع رجال الأعمال للدفاع عن حقه، ولما ألاقي الطماطم سعرها في الأرض 150 قرشا وتباع بـ15 جنيها، وكذلك البطاطس والبامية بـ4 جنيهات وتباع في السوق بـ30 جنيها، ماذا عليَّ أن أفعل حينها، لماذا تصبر الدولة حتى نقع في هذه المصيبة والدولة لا تستمع لنصائحنا لاجتياز تلك الأزمة؟!".

ويؤكد نقيب الفلاحين السابق أن الحل في خوض غمار الحرب المباشرة ومواجهة رجال الأعمال ومحتكري السوق المصري، من أجل البقاء على وجه الأرض، "إما أن نخرج ونواجه المافيا والبلطجية الذين يمارسون سياسة التجويع والموت البطيئ للشعب أو يضيع الجميع، ولا نجد مخرجا لجميع الأزمات التي نمر بها".

قاعدة بيانات
في السياق ذاته أكد محمد فرج، رئيس اتحاد الفلاحين أن وزارة الزراعة لا تمتلك قاعدة بيانات سليمة تشمل المستهدف، فمثلا فيما يخص محصول البطاطس لم يكن لدى الحكومة المصرية رؤية حقيقية بعدد الأفدنة التي يجب تخصيصها لمحصول البطاطس.

وأضاف: "المفروض الحكومة تحدد لي أزرع 600 أو 500 ألف فدان أو ما شابه، لكنها تركت العملية حرة دون قيود، من يريد الزراعة يقوم بذلك ومن لم يرد لا تحاسبه الحكومة على ذلك، فبالتالي لم يتم تقديم ضمانات إذا للمحصول أي ضرر، بالإضافة إلى أنه لا توجد جهة محددة مسئولة عن تنظيم عملية زراعة وتداول البطاطس في مصر، على الرغم من أن هناك جهتين فقط هما المسئولتان عن البطاطس في مصر الجمعية العامة لمنتجي البطاطس، واتحاد مصدري البطاطس الذي تم تأسيسه في التسعينيات، الذي دخل بدوره مع الجمعية كمنافس ما أفقد الجمعية كجهة حكومية دورها نهائيا ووصلنا لما نحن فيه الآن.

وتابع: "الاتحاد يهمه الربح فقط ولا يهمه الأمن الغذائي، فقد كونه بعض رجال الأعمال وخصصوا له ميزانيات كبيرة، وكانت الجمعية العامة لمنتجي البطاطس التي تستورد التقاوي من الخارج تخصص له 40% من الكمية المستوردة، وهي توزع على المزارعين 60%، لكن هذا الاتحاد ذي الطبيعة الخاصة دأب على محاربة الجمعية اقتصاديا حتى احتكر التقاوي التي تأتي من الخارج بشكل كامل".

ويرجع فرج ارتفاع المحاصيل الزراعية في مصر بشكل كبير إلى تلك السياسة الاحتكارية، مشيرا إلى أن الذي حدث أنهم استوردوا تقاوي العام الماضي وكانت مصابة، وبدلا من أن تنتج 20 طنا أنتجت 7 أطنان فقط، وأصبح هناك انخفاض في الإنتاج أحدث الفجوة القائمة، مما يجعل حل الأزمة يكمن في ضرورة وضع حد تأميني وضمان للأمن الغذائي.


التغيرات المناخية تضاعف الأزمة
علي إبراهيم، استشاري خبير التنمية الزراعية بمركز البحوث الزراعية يرى أن ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية في الآونة الأخيرة يعد سابقة نادرة الحدوث، فوفقًا للنظرية الاقتصادية التي تشير إلى أنه مع قلة المعروض وزيادة الطلب يرتفع السعر، ونظرا لما مرت به الدولة من ظروف مناخية مغايرة أدت إلى ضعف إنتاجية المحاصيل، أيضا ارتفاع درجات الحرارة في الفترة الأخيرة أكثر من الحد المسموح به، والحد الأمثل لإنتاج الأفضل والكثير كان لهم الأثر الضار عليها، حيث انخفضت نسبة إنتاج البطاطس لأكثر من 25%.

وأضاف: "عند جني المحصول كان بنسبة أقل من المتوقع ومع زيادة الطلب خصوصا في العروة الصيفية، لجأ بعض التجار إلى تخزين المنتج للتحكم في السعر، وهذا أدى بدوره إلى نقص المعروض في السوق وارتفاع الأسعار، وكان التأثير المباشر وقع على المستهلك جراء ارتفاع الأسعار في المنتجات، وهذا ما لمسناه أيضا في أسعار الطماطم التي شهدت طفرة كبيرة في أسعارها خلال الآونة الأخيرة، بسبب إصابتها بفيروس بمساحة تجاوزت 200 ألف فدان، فبالتالي كان له الأثر السلبي على الإنتاج وارتفاع سعر المحصول المتبقي".

إبراهيم أكد أنه للخروج من تلك الأزمة بشكل أسرع لا بد من تفعيل دور قطاع الإنتاج الذي أنشئ داخل مركز البحوث الزراعية، ولديه مساحات زراعية ومنافذ تسويقية لإحداث توازن في السوق في مثل هذه الحالات، الذي عجز عن القيام بدوره وفقا لإبراهيم، فضلا عن ضعف الجهاز الإرشادي والتوعية للمزارعين بحسن اختيار الأصناف طبقا للمناطق الزراعية المختلفة، والاستخدام الآمن للأسمدة والمبيدات للوصول إلى نتائج أفضل.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية