مصر دفعت الثمن!
عقب إنجاز العبور العظيم في أكتوبر ٧٣، واجتياز قواتنا المسلحة الباسلة خط بارليف، وما تحقق من انتصار ما زال صداه يتردد رغم مرور ما يقرب على نصف قرن. بدأت حملات الهجوم على الرئيس عبدالناصر والمقارنة بينه وبين الرئيس السادات، الأول جلب الهزائم للمصريين، بينما السادات بطل العبور حقق النصر العظيم..
وبينما طبق عبد الناصر الاشتراكية التي أفقرت المصريين، جاء السادات بحلم الانفتاح الذي ينقل المصريين من الفوز الذي فرض عليهم سنوات طويلة، إلى الرخاء الذي يعم على كل بيت في مصر.
وبدأت الجوقة الإعلامية التي كانت حول الرئيس تروج لضرورة أن يتخلى السادات عن المبادئ التي شارك من أجلها عبد الناصر والضباط الأحرار خاصة أنه أصبحت لديه مشروعية جديدة بعد انتصار أكتوبر، وبعد أن كان الهجوم على عبدالناصر يتم على استحياء.. أصبح علنيا وتصاعدت دعاوى التخلص من كل أنصار ثورة يوليو من مؤسسات الدولة ومن بينهم من وفق أوضاعه مع القادم الجديد الذي يدعو للانفتاح دون ضابط أو رابط..
والذي وصفه كاتبنا الرائع أحمد بهاء الدين بأنه انفتاح «سداح مداح»، وسرعان ما غيروا مواقفهم السابقة من الدفاع عن الاشتراكية.. والانحياز إلى الطبقات العاملة.. والفقراء من أبناء الوطن إلى مغازلة من وصفوا بأنهم رجال أعمال تلخصت أحلامهم في هدم القطاع العام.. وبيعه بأبخس الأثمان ولم يقدموا أية إمارة لإقامة صناعة وطنية بديلة، إنما اكتفوا بعمليات السمسرة والمضاربة.. إلا ما ندر من بعض أصحاب الضمائر..
وطبيعي أن تقوم الصحف القومية بمساندة التوجه الجديد الذي يسانده رئيس الجمهورية.. ومن يحاول أن يتصدي لهذا التيار العاتي.. فلا مكان له بينهم وعليه أن يرحل.
تمسكت «الجمهورية» بأن تسبح ضد التيار وتولي كتابها الدفاع عن الاشتراكية والقطاع العام، وقام رئيس تحريرها الضابط الوطني مصطفى بهجت بدوي بتحذير الرئيس من المحيطين به.. وأنه لا يجب أن يتخلى عن طريق عبدالناصر، وتصاعدت حملات «الجمهورية» ضد حلفاء الرئيس السادات من جماعة الإخوان، الذين أطلق لهم العنان.. وأفرج عن الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية ووفق أوضاعهم المالية.. وترك لهم المساجد والمدارس.. والشارع ليتعرفوا على أوجاع الناس.. وبذلك تحقق لهم الانتشار غير المسبوق.
ولم يدفع السادات الثمن وحده إنما مصر كلها ما زالت تدفع نتائج تلك المغامرة غير المحسوبة.