الوعى العربي والجيل الرابع للحروب!!
يعد مفهوم الوعى أحد المفاهيم المركزية في تراث الفكر الإنسانى، فقد تناولته الدراسات الاجتماعية بمختلف حقولها وتخصصاتها العلمية بشكل كبير، نظرا لأن مفهوم الوعى قديم قدم الفكر ذاته، وعلى اعتبار أن الفكر الإنسانى يعبر عن أرقى شكل من أشكال الوعى، وقد حظى مفهوم الوعى بأهمية كبيرة من قبل الفلاسفة والعلماء، لدرجة أن مشكلات الفلسفة الحديثة تكاد تنحصر في المشكلات الخاصة بالوعى.
ونظرا لأهمية مفهوم الوعي يمكننا تعريفه بشكل مبسط بأنه "إدراك المرء لذاته ولما يحيط به إدراكا مباشرا وهو أساس كل معرفة"، ووفقا لهذا التعريف فإن هناك ثلاثة مكونات للوعى هي: المكون المعرفي وهو المعرفة التي يحصل عليها المرء من مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، ثم المكون الموقفي وهو الموقف الذي يتخذه المرء من هذه المعرفة سواء بالإيجاب أو السلب، وأخيرا المكون السلوكى وهو السلوك الذي يتحدد بناءً على الموقف المتخذ من المعرفة المكتسبة، وهذه المكونات الثلاثة تشكل بنية الوعى لدى الأفراد داخل المجتمع.
وإذا كانت المعرفة هي المكون الأول للوعى الإنسانى، فلابد من التركيز على مصادر الحصول على هذه المعرفة، والمؤسسات المنوط بها مد الإنسان بهذه المعرفة، وبما أنه قد أصبح من المعروف والمستقر عليه في الفكر الإنسانى أن الإنسان كائن اجتماعى، حيث يولد كصفحة بيضاء يتم الكتابة عليها وتشكيلها عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، وهنا تبرز مؤسسات التنشئة الأولية مثل الأسرة كمؤسسة أولى للتنشئة الاجتماعية، يليها المدرسة ثم الجامعة..
هذا إلى جانب بعض المؤسسات الأخرى الثانوية كالمؤسسة الدينية، والمؤسسات الترفيهية كالأندية (الاجتماعية– الثقافية– الرياضية)، ومؤسسات المجتمع المدنى (الجمعيات الأهلية– النقابات المهنية- الأحزاب السياسية)، هذا إلى جانب وسائل الإعلام.
ولعبت هذه المؤسسات والأجهزة تاريخيا دورا محوريا في تشكيل وعى الإنسان، عبر مده بالمعرفة اللازمة لفهم ما يدور حوله وتحديد موقفه، وبالتالى سلوكه تجاه مواقف الحياة المختلفة، لكن وللأسف الشديد بدأت هذه المؤسسات والأجهزة الأولية (الأسرة – المدرسة – الجامعة) تفقد دورها داخل مجتمعاتنا العربية..
فلم تعد الأسرة تقوم بدورها في عملية التنشئة الاجتماعية نتيجة انشغال الوالدين عن القيام بالدور المنوط بهما في هذا الإطار، فلم يعد الطفل يتلقى معارفه الأساسية من الأسرة كما كان في الماضى، ونفس الأمر فيما يتعلق بالمدرسة التي تدهورت أحوالها إلى حد كبير، وفقدت أحد أهم أدوارها وهى المشاركة في تشكيل وعى الأبناء عبر المصادر المتنوعة للمعرفة الإنسانية، وأصبحت وسيلة للتلقين والحفظ، وكذلك الجامعة التي لم تعد تمد الطلاب إلا بمجموعة من المعارف التخصصية يتم بها حشو أدمغة الطلاب دون تحفيزهم على إعمال العقل.
وما حدث لمؤسسات وأجهزة تشكيل الوعى الأولية قد طال مؤسسات تشكيل الوعى الثانوية، فلم تعد المؤسسات الترفيهية تقوم بأدوارها في هذا الشأن، وكذلك المؤسسات الدينية التي لعبت أدوارا سلبية للغاية في نشر الأفكار المتطرفة، أما مؤسسات المجتمع المدنى فيكاد دورها يختفى داخل مجتمعاتنا العربية.
وفى ظل هذا الغياب والتراجع لمؤسسات وأجهزة التنشئة التقليدية بدأ الإعلام يأخذ دورا أكبر في عملية تشكيل الوعى، حيث أصبح هو الوسيلة الرئيسية التي يستمد منها الإنسان معارفه الأساسية في كافة مناحى الحياة.
وبالطبع أدركت القوى الاستعمارية الجديدة في العالم والمتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية أهمية هذه الوسيلة فبدأت بالسيطرة عليها لكى تتحكم في مصير هذه المجتمعات، فإذا كانت وسائل الإعلام هي المتحكم الرئيسي في عملية تشكيل وعى الإنسان العربي فعندما يتم السيطرة على هذه الوسائل يمكنها بسهولة تزييف وعيه عبر التحكم في المعارف والمعلومات التي يستمدها عبر هذه الوسائل.
وخلال السنوات الأخيرة قام العدو الأمريكى بتطوير وسائل الإعلام لتتحول إلى جنرال في الحرب على مجتمعاتنا العربية، فظهرت الشبكة العنكبوتية للمعلومات (الإنترنت) ومن خلالها ظهرت مواقع التواصل الاجتماعى مع تطوير في تكنولوجيا الهاتف المحمول، وبذلك أصبح كل إنسان يمتلك وسيلته الإعلامية الخاصة التي يستطيع من خلالها الحصول على ما يشاء من معارف ومعلومات تشكل المكون الأول لعملية الوعى، وإذا كانت المعارف والمعلومات زائفة فإن الناتج عنها سيكون تزييفا للوعى وليس تشكيلا له.
ويمكننا ملاحظة حجم التزييف الذي مارسه إعلام العدو خلال سنوات الربيع العربي المزعوم، حيث استخدمت كل آلياته القديمة والجديدة في تدمير مجتمعاتنا العربية من الداخل، فعبر الفضائيات الخاضعة لسيطرته مثل الجزيرة والعربية وغيرها من القنوات الغربية التي تبث بالعربية تم تزييف وعى المواطن العربي فيما يتعلق بالأحداث التي تدور داخل مجتمعه والمجتمعات العربية المجاورة..
فعندما تسأل مواطنا عربيا من أين تستمد معلوماتك عما يحدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والعراق؟ فيسارع فورا ليؤكد لك أنها عبر وسائل الإعلام خاصة الجزيرة والعربية، والآن إذا سألت الشباب الذي يشكل ما يقرب من ثلثى سكان الوطن العربي من أين تستمد معلوماتك؟ فسوف يؤكد أنها من خلال الإعلام الجديد المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعى التي تبث عبر شبكة الإنترنت.
لذلك لا عجب أن تجد هناك تزييفا للوعى بل وجهل بحقيقة ما يحدث داخل مجتمعاتنا العربية من أحداث، فتجد جزءا كبيرا من الشارع العربي يطلق على المؤامرة الكونية على سورية مصطلح "ثورة" ويصفون مواجهة الجيش العربي السورى مع الإرهاب بأنها "حرب أهلية"!
ووصف ضرب الناتو واحتلاله للأراضي العربية الليبية بأنه تحرير ودعم للثورة، وما يحدث من عدوان على اليمن العربية بأنها عاصفة للحزم دفاعا عن الشرعية، وما يحدث في مصر من حرب ضد الإرهاب بأنه انقلاب، وما تقوم به المقاومة اللبنانية والفلسطينية من دفاع عن الأرض والعرض في مواجهة العدو الصهيونى بأنه إرهاب.
وفي نفس الإطار جاءت محاولة تصوير العميل المخابراتى جمال خاشقجي بأنه لقي مصيره نتيجة رأيه وموقفه باعتباره صحفيا حرا، وتصديق قطاع كبير من الرأى العام العربي لهذه الخدعة التي يتم الترويج لها عبر الآلة الإعلامية الأمريكية، التي جعلت القضية هي محور تركيز الرأى العام العالمى خلال ساعات، وأدى ذلك لنسيان الرأى العام العربي لملايين الضحايا الأبرياء الذين يموتون يوميا في مجتمعاتنا العربية بفعل العدوان الغربي والعربي الغاشم.
ومن هنا لابد أن ندرك مدى المأزق الذي وقعت فيه مجتمعاتنا العربية، عبر عمليات تزييف الوعى المنظمة التي قام بها العدو الأمريكى عبر وسائل إعلامه الجديدة، والتي يخوض بها حربه ضد مجتمعاتنا، في إطار ما يطلق عليه الجيل الرابع للحروب، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بعودة الوعى المفقود، والذي لا يمكن أن يعود إلا بعودة مؤسسات تشكيل الوعى الأولية والثانوية داخل مجتمعاتنا للقيام بأدوارها المفقودة، وأن يتوقف كل مواطن عند كل معلومة تصله عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ويتحقق منها لأن العدو الأمريكى يستهدف أمننا القومى وأمننا الاجتماعى، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
وفي نفس الإطار جاءت محاولة تصوير العميل المخابراتى جمال خاشقجي بأنه لقي مصيره نتيجة رأيه وموقفه باعتباره صحفيا حرا، وتصديق قطاع كبير من الرأى العام العربي لهذه الخدعة التي يتم الترويج لها عبر الآلة الإعلامية الأمريكية، التي جعلت القضية هي محور تركيز الرأى العام العالمى خلال ساعات، وأدى ذلك لنسيان الرأى العام العربي لملايين الضحايا الأبرياء الذين يموتون يوميا في مجتمعاتنا العربية بفعل العدوان الغربي والعربي الغاشم.
ومن هنا لابد أن ندرك مدى المأزق الذي وقعت فيه مجتمعاتنا العربية، عبر عمليات تزييف الوعى المنظمة التي قام بها العدو الأمريكى عبر وسائل إعلامه الجديدة، والتي يخوض بها حربه ضد مجتمعاتنا، في إطار ما يطلق عليه الجيل الرابع للحروب، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بعودة الوعى المفقود، والذي لا يمكن أن يعود إلا بعودة مؤسسات تشكيل الوعى الأولية والثانوية داخل مجتمعاتنا للقيام بأدوارها المفقودة، وأن يتوقف كل مواطن عند كل معلومة تصله عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ويتحقق منها لأن العدو الأمريكى يستهدف أمننا القومى وأمننا الاجتماعى، اللهم بلغت اللهم فاشهد.