أقدم صانع منابر في قنا: تعلمت النجارة حبا في سيدنا نوح (صور)
في حارة ضيقة بأحد شوارع مركز قوص، جنوبي محافظة قنا، يوجد رجل تخطى عمره الستين عامًا، مرتديًا جلبابا صعيديًا، ممسكًا في يده الخشب، يقترب شيئًا فشيء من ماكينة ليضع عليها الأخشاب التي يستخدمها في صناعته التي لا يقبل عليها الكثير لعدة أسباب سوف نستعرضها من خلال حوارنا مع الحاج صادق الجرجاوي، أقدم صانع منابر في المحافظة، الذي رفض أن يجلس بجوار الصبيان في الورشة ويشرف على العمل، وفضل العمل بيده، مؤكدا أن الحياة بعد الستين تبدأ ولا تنتهي كما يظن البعض.
سيدنا نوح
"تعلمت صناعة المنابر من خلال زياراتي المتعددة لمساجد وأضرحة أولياء الله الصالحين، وكنت ذات يوم في زيارة لأحدها وبعدها رأيت في منامي رؤية صالحة، ومنذ ذلك الوقت قررت أن لا أرفض أي منبر برغم من مشقة وتعب هذه الصناعة".. بتلك الكلمات بدأ الحاج جرجاوي حديثه لنا، وأضاف: "أنني أعمل بهذه المهنة منذ أكثر من 50 عامًا تقريبًا، وجاء تعلقي بمهنة النجارة من شدة حبي لسيدنا نوح عليه السلام، وزادني الأمر سعادة عندما تعلمت صناعة المنبر، متمنيًا أن ينجب نجله طفلًا ويسمى المولود نوح".
لا أتقاضى مليمًا
وقال الحاج جرجاوي "لا أتقاضى ملميًا من صناعة المنابر"، وزاد الأمر استغرابًا عندما أعلن أنه في كثير من الأحيان لا يرى زبائنه، ولا يعرفهم فهم يجلبون الأخشاب ويتركوها وفور الانتهاء يتصلون لاستلام المنبر، وعند مجيئهم يسلمهم الصبيان في الورشة المنبر، وهم يعلمون أنه لا يتقاضى مليمًا، وأضاف: "في بعض الأحيان يكون الصبيان موجودين ولا أرفض أن يأخذوا نقودا واعتبرها هدية لهم من الله، أما أنا فهذه تجارة بيني وبين الله وأرفض أن يتدخل فيها أحد".
تراجع صناعة المنابر
وأرجع الجرجاوي أسباب عزوف المواطنين عن صناعة المنابر، إلى وجود الكثير من السلفيين في الفترة السابقة الذين كانوا لا يعتبرونها سنة ويكتفون فقط بـــ3 سلالم، وهناك من يصنع رخامة وارتفاع بلاطتين وبهذا يتم الاستغناء عن المنبر، وقال: "للأسف في الفترة الأخيرة ارتفع ثمن الأخشاب بشكل جنوني والكثير اعتبر أن المنبر يأخذ حيزا من المسجد ويضيق على المصلين، فاكتفوا بفكر السلفيين وقل الطلب فيما عدا القرى التي لا تزال تحتفظ بوجود المنبر في المسجد وتحرص على طلبه حتى اليوم".
ونوه الجرجاوي، إلى أن صناعة المنبر تستغرق من شهر إلى شهر ونصف وبعدها يخرج بالشكل الذي يشاهده المصلون في المسجد، مؤكدًا أن النجارة من أحب الأعمال إلى قلبه ولن يتوقف عن العمل فيها حتى النهاية، لافتا إلى أن بعض الحرف والمهن يكون فيها اقتداء بالأنبياء والصالحين وهذه الأعمال الصالحة تعطينا بركة وقناعة كبيرة من الله، وقال: "أتمنى أن يعطيني الله العمر لكي أقدم المزيد لهذه الحرفة".