من يحمي المخطوطات النادرة من السرقة.. عرض مخطوط «قنصوة الغوري» في مزاد لندن يفتح باب الجدل مجددا.. غياب الإحصاء للكنوز أبرز العوائق.. آخر جرد في 2010.. ورسالة الإمام الشافعي أبرز المفقودات
فتحت واقعة عرض مخطوط «قنصوة الغوري»، الأثري للبيع في مزاد علني في لندن، الجدل مجددا حول الفشل في تأمين المخطوطات الأثرية، والمقتنيات النادرة، وعدم القدرة على حماية ما تملكه مصر من كنوز وتراث أثري، خاصة في عالم المخطوطات، والتي كان آخر ما استردته مصر منها مختصر الكافيجي في علم التاريخ، في الوقت الذي أعلنت دار الكتب والوثائق القومية امتلاكها للمخطوط، وأكدت في بيان أصدرته عن الواقعة، أنه مثبت في سجلاتها عام 1884م، حيث تعمل على إيقاف بيعه، واسترداده مرة أخرى، ومخاطبة مسئولي عملية البيع.
قنصوة الغوري
والمخطوط المسروق عبارة عن ربعة قرآنية تعود ملكيتها لقنصوة الغوري آخر حكام المماليك قبل الغزو العثماني لمصر، ومثبت في سجلات دار الكتب المصرية بتاريخ 1884م، كما أن آخر ظهور له في سجلات دار الكتب والوثائق، كان في نهاية القرن التاسع عشر، وتحديدا عام 1892م.
وكُتب المخطوط بقلم النسخ، وقف للسلطان المملوكى الجركسى الأشرف أبو النصر قنصوة الغوري 922 هجرية، على مدرسته الملحقة بالمسجد المعروف باسمه حاليا، ويتضمن 28 ورقة، ويشتمل على الجزء الرابع من القرآن الكريم بدءًا من الآية (92) من سورة آل عمران، حتى الآية (23) من سورة النساء، مكتوب عليه مقدمته صيغة الوقف التي تثبت وقفه على مدرسة قنصوه الغوري، وبأسفلها رقمه العمومى وهو 19214، بـ«الكتبخانة المصرية»، وهي دار الكتب والوثائق القومية حاليًا.
تفاصيل المخطوط
كما يحتوي المخطوط على 2 من الأوراق المتطايرة، 7 أسطر على الصفحة المكتوبة بخط نسخ أنيق بالحبر الأسود، يحكم باللون الأحمر، والآيات مفصولة بالذهب والوئام متعددة الألوان، ويضم هوامش مع علامات مكتوبة بخط الثلث المذهب باللون الأسود مع الفراغات المملوءة باللون الأحمر، مع مقدمة من ألوان متعددة وذهبية، وعنوان سورة مكتوب بخط الثلث الذهبى محدد باللون الأسود مع فتحات مملوءة باللون الأسود، وانطباعات عن ختم الملكية ونقوش الوقف، في تجليد بنى مختوم مطلي بالذهب.
والأشرف أبو بكر قنصوة الغوري، هو السلطان قبل الأخير من حكام المماليك البرجية، والتي حكمت مصر بعد فترة المماليك البحرية، وقبل أن يحكمها العثمانيون بعد هزيمتهم للماليك، وإنهاء حكمهم في مصر والشام.
وتولى الغوري الحكم عام 906 هـ- 1500 م، وظل ملكا لمصر والشام إلى أن قتل على يد العثمانيين في معركة مرج دابق شمال حلب سنة 1516، ليخلفه آخر حكام المماليك الأشرف طومان باي، والذي قتله العثمانيون أيضا شنقا على باب زويلة بالقاهرة.
آخر جرد
من جانبه أكد الدكتور أحمد الشوكي، رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية السابق، أن آخر جرد شامل بدار الكتب كان قرابة عام 2010، ثبت خلاله فقدان بعض من محتويات إدارة المخطوطات بالدار، مشيرا إلى أنه تم حينها عمل محاضر، وحصر وإثبات ما اكتشف عدم وجوده.
وأضاف الشوكي، أن هناك نظاما محددا وثابتا لمسألة العهد، والمسئوليات الموكلة للموظفين بدار الكتب، والذي على أساسه يتم محاسبة المقصرين، ومن يثبت تورطه في عمليات إهمال، وفقد المخطوطات التراثية، موضحا أن هناك مسئوليات مباشرة تقع على الموظفين المسئولين، ومسئولية غير مباشرة على رئيس الهيئة وإدارتها.
وأوضح أن هناك العديد من المؤسسات والهيئات، والجامعات، تملك العديد من المخطوطات التراثية، والتي لا تتوفر لها الحماية المتوفرة بدار الكتب والوثائق، مضيفا أن هناك معايير أمنية عالية، تتطرق حتى في مسألة الاطلاع، والمشاهدة لما تحويه من تراث ووثائق.
غياب البيانات
وأوضح الشوكي، أنه لا يوجد إحصاء رسمي بشكل دقيق، عن حجم المخطوطات في مصر، ولكنه قدر ما تحويه دار الكتب وحدها بـ60 ألف قطعة تراثية، وقرابة 500 ألف في غيرها من المؤسسات، والمتاحف، والجامعات، والمؤسسات، والملكيات الخاصة.
وأشار رئيس دار الكتب السابق، إلى أن من أهم الأدوار، والمهام الموكلة للدار مسألة ولايتها، وسلطتها على كافة الوثائق، والمخطوطات، والكتب التراثية، وحماية تاريخ مصر من الإهمال، مؤكدا أنه في حال استشعار تعرض أي من تلك المخطوطات للتلف والضياع، من الطبيعي أن تتحرك الدار لحمايته، من خلال مخاطبة الجهة المالكة له.
الإمام الشافعي
من جانبه أكد مصطفى عبد السميع مدير إدارة المخطوطات بالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، أن من أهم وأشهر المخطوطات التي فقدتها مصر هي «رسالة الإمام الشافعي»، حيث تعد من أقدم المخطوطات التي تملكها دار الكتب، مشيرا إلى أنها دونت في عصر الإمام، وكتبها تلميذه ربيع بن سليمان، وتضمنت تفنيدات وتفسيرات مكتوبة بخط الإمام الشافعي نفسه.
وأكد عبد السميع، أن هناك الكثير من المحاولات حاليا، لاسترداد إحدى أهم المخطوطات التراثية بدار الكتب، وهو مخطوط «رابعة»، وهو عبارة عن جزء من 30 جزءا من القرآن الكريم، مضيفا أنه تم تقديم كافة البيانات والإثباتات التي تؤكد ملكية دار الكتب والوثائق للمخطوط بما فيها رقمه في كل من التزويد، ورسالة الخديوية.
وأشار مدير إدارة المخطوطات، إلى أن هناك الكثير من عوامل الأمان والسلامة، التي توفرها حاليا دار الكتب للمخطوطات التراثية والنادرة، حفاظا عليها من العديد من المخاطر والتي أبرزها الطبيعية، والبيولوجية، موضحا أنه يجب حفظ مثل هذا التراث في الغالب في درجة حرارة لا تقل عن 20 درجة مئوية، بالإضافة إلى درجة رطوبة لا تتعدى الـ40 أو 50 على الأكثر.
وأضاف: "هناك العديد من الأجهزة التي تعنى بقياس تلك الأمور، والتي بالطبع متوفرة في دار الكتب والوثائق، بالإضافة إلى أجهزة قياس الإضاءة، ومراعاة الأسس التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، وقواعد حماية التراث والمخطوطات النادرة".
وأوضح أن الكثير من الناس يعتقدون أن كافة المخطوطات التراثية موجودة بدار الكتب فقط، مشيرا إلى أن هناك العديد من المؤسسات في مصر التي تمتلك كنوزا تراثية وأثرية غاية في الأهمية.
طريقة الإدراج
وعن كيفية دخول المخطوط لدار الكتب، وإدراجه بمخازنها، قال عبد السميع: "كل ما يتم قبوله بدار الكتب من مخطوطات تاريخية، يتم ترقيمه برقمين هما «العمومي»، و«الخصوصي»، والرقم العمومي يتعلق بترتيبه بين كافة ما يدخل الدار من مطبوعات وبرديات، ومسبوكات، وقطع أثرية وغيرها، أما الرقم الخاص فيتعلق بترتيبه بين ما يدخل للدار من مخطوطات فقط، كالنحو، والبلاغة، وعلم التجويد، والمخطوطات العلمية وغيرها، مشيرا إلى أن تلك الأرقام تعتبر بمثابة شهادة ميلاد للمخطوط".
وعن المخطوطات التي فقدت وظهرت بدول أجنبية قال: «المخطوط اللي بنعرف أنه هيتباع بنجري وراه عشان نجيبه»، مؤكدا عدم خروج أي ورقة من إدارة المخطوطات، لأنه بذلك تحال الإدارة إلى النيابة للتحقيق معها، كما أنه لا يخرج أي مخطوط إلا للاطلاع فقط، في غرفة الاطلاع المجاورة لغرفة المخازن والمخطوطات بهيئة دار الكتب والوثائق.
"نقلا عن العدد الورقي..."