من يُنهي ندب مستشار التعليم.. القضاء أم الدستور؟
حددت المادة 239 من دستور 2014، مدة خمس سنوات، مهلة لمجلس النواب، كي يسن قانونا، لتنظيم ندب القضاة وأعضاء الهيئات القضائية بما يضمن إلغاء الندب الكلي أو الجزئي لغير الجهات والهيئات القضائية، تنتهي في تاريخ 17 يناير المقبل بما مفاده ألا يعمل القاضي لجهة غير قضائية.
وهذا النص يهدف إلى معالجة مشكلة ندب القضاة، لجهات أو لوزارات وهيئات عامة في السلطة التنفيذية، توفيرًا لجهد القضاة كي يتفرغوا للعمل القضائي للوصول إلى العدالة المنشودة.
معلوم أن مهام المستشار القانوني المنتدب بالجهات الإدارية، من الجهات والهيئات القضائية، هي تحقيق العدالة بين أجهزة الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية، وبهدف الاستعانة بخبرات قضائية عالية، ومستقلة ومحايدة، من شأنها تخفيف وتيسير إجراءات حصول الأفراد والعاملين بالدولة على حقوقهم دون اللجوء إلى القضاء، ورفع المستوى الفني للعاملين بإدارات القضايا والتشريع لدى الجهاز الحكومي.
ومؤخرًا، أقام الدكتور محمد إبراهيم أحمد، المحامي بالنقض دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة طلب فيها الحكم بإنهاء ندب المستشار القانوني بوزارة التربية والتعليم، مؤكدًا أنه في نهاية عام 2014 أعلنت وزارة التربية والتعليم عن مجموعة من الوظائف القيادية من بينها وظيفة "رئيس الإدارة المركزية لشئون مكتب الوزير"، وتقدمت لها إحدى قيادات الوزارة النسائية، حيث تم تشكيل اللجنة الدائمة للقيادات المشكلة بالقرار الوزاري رقم 7 لسنة 2015 ومن بين أعضائها المستشار القانوني للوزارة، وبتاريخ 5 فبراير 2015 انعقدت هذه اللجنة التي ضمت في عضويتها المستشار القانوني، حيث انتهت أعمالها إلى حجب الوظيفة، وهو ما دفع المتقدمة للوظيفة، إلى التظلم من قرار اللجنة بحجب تلك الوظيفة.
أحيل الموضوع إلى رئاسة النيابة الإدارية التي تولت التحقيق حيث قرر كل من مدير عام الشئون القانونية، بوزارة التربية والتعليم وشئون المديريات سابقا أمام النيابة الإدارية عدم حضور أحد المتقدمين لذات الوظيفة.
واطلعت النيابة على تحريات الرقابة الإدارية التي انتهت إلى صحة ما تقدم، وأن إحدى قيادات الوزارة حصلت على 70 درجة من 100 درجة، وأن هناك مّنْ تعمد حرمانها من الوظيفة، وأكدت التحريات ذاتها "نصًا" أن المستشار القانوني لوزارة التربية والتعليم لم يضع درجات لجميع بنود التقييم للمرشحين للوظيفة، وأضاف 30 درجة لأحد المتقدمين، الذي لم يحضر أصلا للمقابلة في اليوم المحدد لجلسة المقابلات.
وكشفت الدعوى المشار إليها، عن وجود مخالفات جسيمة تمت بمعرفة موظفين عموميين بالدولة في محررات رسمية بالكشط والتعديل المُتعمد، فضلا عن التزوير المعنوي بإثبات غير الحقيقة واستخدام المحرر المُزور، واشتراك جميع أعضاء اللجنة في هذا الأمر ومنهم المستشار القانوني للوزارة الذي لم يضع درجات لجميع بنود التقييم للمترشحين للوظيفة، الذين حضروا المقابلة فضلا عن منحه درجات لمرشح لم يحضر تلك المقابلة، وعلى صعيد آخر تبين عضوية (المستشار) بوصفه مستشارًا قانونيا وخبيرا في علوم الحاسب الآلي، في لجنة القيادات، ووقع بما يفيد علمه، وموافقته بذلك بمحضر اجتماع لجنة القيادات.
ولأن الحق أحق أن يُتبع.. ولأن ثوب قضاء مجلس الدولة الشامخ ناصع البياض لا يقبل المحاباة ولا يعرف المواربة فقد صدر حكم محكمة القضاء الإداري (الدائرة 11 جزاءات) في الدعوى رقم 72433 لسنة 69 قضائية مرصعًا بالذهب متضمنًا إلغاء المسابقة المذكورة إلغاءً مجردًا تأسيسًا على ما شابها من (تحايل) تمثل في إسناد الاختبار للمستشار القانوني بوصفه خبيرًا في علوم الحاسب.
وبإنزال ما تقدم على ما يحكم عمل القاضي من نصوص دستورية وقوانين وتعليمات وأعراف قضائية راسخة يتضح أن المستشار القانوني أساء إلى جهة عمله الأصلية قبل أن يسيئ إلى نفسه وجعل من شخصه قصةً تلوكها الألسن ويتناقلها الموظفون من مختلف الدرجات في جميع الإدارات والأقسام والجهات التابعة للوزارة فضلًا عن تداولها في ساحات القضاء الشامخ بين المحامون والمتقاضين وسكرتارية المحاكم وأمام النيابة الإدارية والرقابة الإدارية.
والأمر معروض أمام قضاة مجلس الدولة الأجلاء، فحاشنا أن نُملي ما يجب اتخاذه حيال هذا الأمر، فهل ينهي القضاء مهام المستشار القانوني المنتدب لوزارة التربية والتعليم قبل مهلة الدستور التي تنتهي في 17 يناير المقبل؟.. هذا ما يجيب عليه الحكم في الدعوى حين يصدر عن محكمة القضاء الإداري.. وللـحـديـث بـقـيـة