«داعشي» في ثوب «لاجئ»
أؤكد أن الهجمة الشرسة المنظمة التي شنها تنظيم داعش الإرهابي في العديد من الدول العربية خلال السنوات الماضية «لن تتوقف» وأن كثيرا من الدول الأوروبية سوف تتجرع خلال السنوات المقبلة، ذات المرار والخراب والقتل، الذي تجرعه ملايين العرب، بعد دحر الأغلبية العظمى من صفوف التنظيم، وفرار الآلاف من عناصره إلى أوروبا، وسط آلاف «اللاجئين» الذين فروا هربا من الموت في تلك الدول.
فخلال وجودي بمدينة «الرقة» السورية منذ شهرين تقريبا، استفزني حجم الدمار والخراب اللإنساني الذي حل بالمدينة، الذي حول أحياءها إلى ركام لا حياة فيه حتى للأشباح، فسألت صديقي السوري الذي صاحبني في تلك الرحلة: كيف دخلتم تلك المواجهات الشرسة، وسقط منكم كل هذا العدد من الشهداء الذين تزين صورهم كل منزل في سوريا، وحولتم المدينة إلى مثل المشهد، ولم تتمكنوا من القضاء على كل عناصر «داعش» وما زالت جيوبهم تملأ كل بقاع سوريا، وتمثل تهديدا حقيقيا لحياة المواطنين؟
فرد صديقي السوري برد صادم قائلا: «الكارثة في المواجهات مع «داعش» يا صديقي، أننا لا نواجه عدوا واضحا أو قوات نظامية تستطيع تمييز عناصرها، بل «ميلشيات» غير واضحة المعالم، وقد تفاجأ بوابل من الطلقات يوجه إلى صدرك من شخص يقف إلى جوارك، وأنت تتعامل معه على أنه مواطن أعزل «آمن» يجب حمايته..
فقد كنا في كل مواجهة داخل كل بناية سواء في «الرقة أو كوباني» أو غيرها من المدن السورية التي شهدت مواجهات مع عناصر «داعش» نفاجأ بالعشرات من المواطنين يخرجون من داخل تلك البنايات وهم يرفعون الرايات البيضاء ويقولون: «نحن مواطنون آمنون» وللأسف أن عناصر التنظيم غير مكتوب على وجوههم أنهم «دواعش» ولا نستطيع التعامل مع أي من هؤلاء «المستسلمين» سوى أنهم «مواطنين» إلى أن يثبت عكس ذلك، وللأسف الشديد خرج الآلاف من «الدواعش» وسط هؤلاء المواطنين الآمنين، وعاشوا وسط السوريين في المخيمات على أنهم «لاجئين» بل إن الآلاف منهم سافروا إلى أوروبا، ويعيشون بها الآن بعد استقبالهم كـ«لاجئين».
وأعتقد أن قصة الفتاة الإيزيدية الكردية «أشواق» التي نشرتها صحيفة «تايمز» البريطانية منذ أيام، تؤكد صدق رواية صديقي السوري، حيث كانت الفتاة قد تعرضت للخطف من مدينة «سنجار» العراقية قبل 4 سنوات، وتم بيعها مع المئات من الإيزيديات في أسواق «النخاسة» التي أقامتها «داعش» بعد اجتياحهم لتجمعات الإيزيديين في شمال العراق، وتم إجبارها على السفر إلى سوريا واعتناق الإسلام، إلا أنها نجحت في الهرب، بعد شهور من عذاب الرق والعبودية، واللحاق بعدد من أفراد أسرتها كـ«لاجئة» في ألمانيا.
وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، وأثناء سيرها في شوارع مدينة «شتوتجارت» فوجئت بخاطفها الداعشي «أبو همام» يقف أمامها بلحيته الكثيفة وجلبابه الأبيض القصير، ويقول لها ببجاحة: «أنت أشواق، إلا تتذكرين الأيام التي عشتيها معي في الموصل، أعلم أين وكيف ومع من تعيشين، ولن تفلتي مني».
«أشواق» ابنة الـ19 عاما التي لا يزال 5 من شقيقاتها أسيرات لدى ميليشيات «داعش» أصيبت بالرعب، خاصة أن الرجل الذي ظل يعتدي عليها بشكل يومي على مدار 10 شهور كاملة في الموصل، وقام ببيعها في مقابل 100 دولار، بدأ يطاردها في شوارع «ستوتجارت» ووجدت أنه لا سبيل أمامها سوى اللجوء للشرطة الألمانية، التي نجحت من خلال كاميرات المراقبة بالأسواق والمحال في التعرف على «أبو همام».
إلا أن الصدمة الكبرى التي منيت بها الفتاة، أن الشرطة الألمانية أخبرتها أنه ليس بوسعها اتخاذ أي إجراء تجاه خاطفها الداعشي، لأنه مسجل في سجلات الدولة كـ«لاجئ» وأنه يصعب وجود دليل على انضمامه لصفوف التنظيم الإرهابي.
أؤكد أن كل الشواهد تؤكد أنه دخل إلى أوروبا المئات، إن لم يكن الآلاف من عناصر «داعش» على شاكلة «أبو همام» ذاتها وأن خيوط التنظيم سوف تتجمع من جديد في العديد من الدول الأوروبية، خاصة التي حوت وآمنت «علنا» في الماضي، كثيرًا من قيادة الإرهاب، إلا أنهم في هذه المرة سيتجمعون وبأعداد أكبر، وبعيدا عن عيون السلطات، في غلاف «لاجئين» لكن على ماذا، ولأي هدف ؟... هذا ما ستجيب عليه الأيام.