رئيس التحرير
عصام كامل

محمد زكي عبد القادر يكتب: الحنين إلى الوطن

فيتو

في مجلة الإذاعة عام 1955 كتب محمد زكى عبد القادر مقالا تحت عنوان «ذكريات» قال فيه: «اختلست من مشاغل العمل إجازة قصيرة، سبعة أيام قضيتها في لبنان، إن السفر في ذاته  -مجرد الانتقال من مكان إلى مكان- متعة، وهو دراسة وتجرِبة وفهم ومشاهدة.


فيه وجوه كثيرة من الحياة، وجوه من الناس، والأشياء والأمكنة والعقول والعادات والتقاليد، وإن الإنسان ليبهره البلد الجديد الذي يزوره، فإذا طال به المقام يطل السحر، وأخذ الحنين إلى الوطن يشغف قلبه ولبه.

وقد كنت وأنا في ذرى الجبل في لبنان أهوى بفؤادى وخاطرى عبر الأفق الفسيح إلى مصر.. كان الجمال المحيط بى بعض أريجها، كل شيء حولى يذكرنى بها.. الخضرة اليانعة وسط الصخر، والماء المتدفق عند السفح، والأفق المتفسح إلى غير حد. الأطيار والأشجار والأنسام والأضواء والألوان.. كل شيء كان من مصر والى مصر، وفى وسط البحر والسفينة تجالد الموج والموج يجالدها، وركابها أخلاط من كل جنس ولغة.. لم يكن يستهويني إلا أن أفكر في مصر.

كنت أسأل عنها من أتعرف بهم من الركاب، هل زارها؟، هل أقام فيها؟ هل أستمتع بشمسها الصاخبة وماء نيلها العذب، إن الإحساس بالوطن أعظم ما يكون والإنسان بعيد عنه أنه ليهفو إليه، ويمس الحنين إليه القلب مسا عنيفا، فيه رقة.

ليكن وطنك ما يكون، أنه شبيه بالأم نلتصق بها وتلتصق بنا، في النعمة والمحنة على السواء، في الهنا كما في العذاب، إنه الصدر الذي يفتح ذراعيه.. من بعيد يستقبلنا.. إنه وحده يمحو عارنا ويرفع اسمنا وذكرنا.

وعندما رست الباخرة بنا عند شاطئ الإسكندرية واستروحت نسائمها العذبة، كانت أطيب عندى من كل نسيم، وأحب إلى من كل شيء حبيب.

ماذا في الأوطان الأخرى ليس في وطنى؟ ليكن فيها ما ليس فيه.. ولكن القليل الذي فيه هو لأستطيع أن أكافح حتى يصبح كثيرا.. أستطيع أن أعيش فيه بالأمل والسعى.

وسواء لقيت منه الخير أو الشر فهو وطنى.. الأرض التي تحوى رفات أجدادى وحييت فيها معانى طفولتى وشبابى وإليها بعد كل ارتحال آتى.
الجريدة الرسمية