متى يعتنقُ المسلمونَ الإسلامَ؟
ليسَ منْ دواعى سُرورى، أنْ يقتربَ عددُ المُسلمينَ على مستوى العالم منْ مليارى نَسَمةٍ، ولا يُشغلنى إشهارُ "فلان" إسلامَه، ولا يُغضبُنى خروجُ "عِلَّان" من الإسلام، كما أنَّه لا يُحزنُنى زيادةُ وتيرة الإلحادِ والمُلحدين.. القرآنُ الكريمُ يقولُ: "لا يضرُّكم مَنْ ضلَّ إذا اهتديتُم".
ولكنَّ السؤالَ الذي يفرضُ نفسَه في حقيقةِ الأمر هوَ: متى يعتنقُ المُسلمونَ الإسلامَ؟ وفى اللغةِ: "اعتنقَ دينًا" أي: "لَزِمَه وآمنَ بصحَّتِه وأخذَه بجدٍّ".. فكمْ مُسلمًا من مليارى مُسلمٍ لزمَ الإسلامَ وآمنَ بصحتِه وأخذَه بجدٍّ؟ الواقعُ يؤكدُ ضبابيةَ، إنْ لم يكنْ، سوداويةَ المشهدِ بأكملِه.
المُسلمونَ المُعاصرونَ ليسوا خيرَ أُمةٍ أُخرجتْ للناس، فمعظمُهم لا يأمرُ بمعروفٍ ولا ينهى عن مُنكر، بلْ ينطبقُ عليهم قولُ القرآنِ الكريم: "كانوا لا يتناهونَ عن مُنكرٍ فعلوه".. المُسلمونَ الحقيقيون يصفُهم القرآن الكريم بقولِه: "كنتمْ خيرَ أمةٍ أُخرجتْ للناسِ، تأمرونَ بالمعروف وتنهوَنَ عن المُنكر".. "الخيريَّةُ" – هنا- ليستْ مُطلقة، بلْ مشروطة. المعروفُ بين عموم المسلمين.. صار مُنكرًا.
والمُنكرُ.. أضحى معروفًا، وتحققتْ نبوءةُ نبىِّ الإسلام: "بدأ الإسلامُ غريبًا ويعودُ غريبًا". لا فرقَ كبيرًا بين حُكامٍ ومحكومينَ، عُلماء ودَهماء، جميعُهم في مُناطحةِ الإسلام سواءٌ. هم مجرد مُنتسبينَ إليه، ورثوا دينَهم. مُسلمو هذا العصر ما تركوا أمرًا نهى عنه الإسلامُ إلا وفعلوه، ولا أمرًا دعا إليه الإسلامُ إلا وقاطعوه.
جعلَ الإسلامُ للدماءِ عِصمةً ما بعدَها عِصمةٌ، لا فرقَ في ذلكَ بينَ دماءِ مُسلمٍ وغيرِ مُسلم، حتى أنَّ نبىَّ الإسلام حذَّرَ أتباعَه قائلًا: "أولُ ما يُقضى بينَ الناس يومَ القيامةِ في الدماءِ". وأكدَ القرآنُ الكريمُ ذلك بقوله: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا".
ورغمَ هذهِ التحذيرات السماوية والنبوية، وما أكثرَها، إلا أنَّ نزيفَ الدم في بلادِ المسلمين لا يتوقفُ. قتلٌ "مجانىٌّ"، تارةً لدواعٍ سياسيةٍ "موضوعةٍ"، وتارةً أخرى لدواعٍ دينيةٍ "مزعومةٍ".. والإسلامُ برئٌ منْ هذا وذاكَ، الإسلامُ يصونُ الدماءَ إلى حدِّ التقديسِ. علماءٌ كبارٌ يضعون دينهم في خدمة "السلطان"، يُصدرونَ الفتاوى المُسيَّسة التي تروقُ لهم، وتُحققُ أغراضهم، لا يصونون للإسلام حرُمَة، هم أشدُّ خطرًا على الإسلام ممنْ سواهُم، "هم العدوُ فاحذرْهم، قاتلَهم اللهُ، أنَّى يُؤفكونَ".
لم يعُدْ للدم حُرمةٌ في بلاد المُسلمين. منظومةُ الأخلاقِ التي جاء نبىُّ الإسلام من أجلِها تتلاشى يومًا بعدَ يوم. نبىُّ الإسلام يقولُ: "إنما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاق". فأينَ مكارمُ الأخلاق في عالمٍ يسودُه غيابُ الإنسانية والقتلُ والكذبُ والغشُّ والتدليسُ والنفاقُ والخوضُ في الأعراضِ واقترافُ كلِّ ما نهى اللهُ عنه، وأكلُ الحرام؟ الإسلامُ حذَّرَ كثيرًا من الاقترابِ من أكلِ مالِ الناسِ بالباطلِ، ولكنَّ هذا السلوكَ صارَ هواية عندَ فئاتٍ كثيرةٍ من المسلمين على نطاقٍ واسعٍ بلا استثناءٍ.
نبىُّ الإسلام يقولُ: "لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، أي: منْ حرام".. لذا لنْ يعزَّ الإسلامَ كثرةُ أتباعِه في الشرق والغرب، ولكنَّ العزَّة الحقيقية تكمنُ في اعتناق المسلمين لجوهر دينُهم وما أنزلتْه السماءُ على نبىِّ الإسلامِ من تعاليمَ وأوامرَ ونواهٍ.. ويبقى الأملُ في الإجابةِ عن هذا السؤالِ: متى يعتنقُ المسلمونَ الإسلامَ ويُنصفونَه وينصرونَه ويعظَّمونَه؟!