«العامة للاستعلامات»: قمة السيسي وبوتين تدشن لمرحلة جديدة من العلاقات.. 6.5 مليارات دولار سنويا حجم التبادل التجاري.. ومشروع الضبعة له أبعاد اقتصادية ومالية
تُعَد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى روسيا؛ محطة أخرى ذات أهمية كبيرة في مسيرة العلاقات بين البلدين، والتي شهدت على مدى السنوات الخمس الأخيرة تطورات ملموسة في مختلف المجالات، فهذه هي الزيارة الرابعة للرئيس إلى روسيا منذ زيارته الأولى لموسكو كوزير للدفاع في 2014، ليكون لقاء السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين هو التاسع خلال هذه الزيارة.
زيارة الرئيس السيسي
وتطرق تقرير جديد أعدته الهيئة العامة للاستعلامات عن زيارة الرئيس السيسي لروسيا؛ إلى العديد من المؤشرات التي تؤكد أن هذه القمة بين الرئيسين سوف تدشن مرحلة جديدة على طريق تطوير العلاقات بين البلدين، والتفاهم السياسي بين القيادتين.
فعلى المستوى الثنائي؛ فإن هذه القمة تُعقد وقد انقشع –أو كاد ينقشع تمامًا– وفقًا للتقرير، غبار حادث سقوط طائرة الركاب الروسية، خاصة بعد أن عادت رحلات الطيران الروسي إلى القاهرة، بل ومن المنتظر أن تغلق هذه الزيارة ما بقى من تداعيات هذا الملف بالاتفاق على عودة رحلات الطيران السياحي الروسي إلى المنتجعات المصرية.
العلاقات الثنائية
وينتظر بقية ملفات العلاقات الثنائية المزيد من التطور الإيجابي، بعد أن وصل حجم التبادل إلى نحو 6.5 مليارات دولار سنويًا، الأمر الذي يضع روسيا ضمن أكبر شركاء مصر التجاريين مثل الصين والإمارات العربية وإيطاليا والولايات المتحدة، وإن كان ما يشغل مصر على هذا الجانب هو التخفيف من العجز في الميزان التجاري بين البلدين، حيث لا يزيد نصيب الصادرات المصرية إلى روسيا من هذا الرقم الكبير على 500 مليون دولار، وبقية الرقم يتعلق بالصادرات الروسية لمصر، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من الجهد من جانب المصدرين المصريين ومزيد من التسهيلات من الجانب الروسي لدخول المنتجات المصرية وتذليل العقبات في هذا المجال وفي مقدمتها صعوبات النقل والمسافات.
الطاقة النووية
واقترب عام كامل من المرور على اتفاقية إنشاء مشروع إنتاج الطاقة النووية في مصر بمنطقة الضبعة، والتي وُقِّعَت في 11 ديسمبر 2017 في القاهرة، وهو أكبر مشروع مشترك بين القاهرة وموسكو منذ مشروع السد العالي، كما أن له أبعادًا اقتصادية ومالية واستثمارية، فضلًا عن نقل التكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال الذي تحتاجه مصر في إطار إستراتيجية متكاملة في مجال الطاقة، ستجعل من مصر مركزًا إقليميًا وعالميًا لإنتاج وتداول الطاقة بكل مكوناتها ومصادرها المتجددة وغير المتجددة.
المنطقة الصناعية
وأشار التقرير إلى أن مصر تتعجل إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، خاصة بعدما حقق الاقتصاد المصري خطوات كبيرة على طريق الاستقرار والنمو والانطلاق، وأصبحت مصر جاذبة للاستثمار بكل المعايير.
أما على الصعيد الإقليمي؛ فإن لقاء الرئيسين السيسي وبوتين يتضمن وفقًا لتقرير هيئة الاستعلامات؛ بحث القضايا الإقليمية خاصة سوريا، وليبيا، واليمن، ومن المؤكد أن أي توافق بين البلدين سيكون عنصرًا مؤثرًا بشأن قضايا الشرق الأوسط، بعدما أثبتت الأحداث في الفترة الأخيرة أهمية دور كل من مصر وروسيا الحيوي في معادلات المنطقة، كما أثبتت التقارب الكبير في وجهات النظر بين البلدين وموقفيهما إزاء معظم قضايا المنطقة.
لمحات ودية
في الوقت نفسه، يكشف تعامل الجانب الروسي مع الزيارة مدى الاهتمام بالعلاقات المصرية الروسية، وبأهمية العلاقات بين قيادتي البلدين الرئيس السيسي وبوتين، حيث يعد التفاهم والاحترام المتبادل بينهما أحد أهم عناصر تطور هذه العلاقات في السنوات الأخير، فقد تضمن الإعلان الرسمي عن الزيارة من الجانب الروسي التعبير عن الترحيب والاهتمام بها، وبأهمية المباحثات التي ستتم خلالها، كما تحدث أكثر من مسئول روسي في هذا الشأن.
واستبق الرئيس الروسي الزيارة بالحديث عن حرصه على إهداء السيسي بعضًا مما يفخر به من إنتاج بلاده الزراعي، خاصة التفاح الروسي، أثناء زيارة بوتين لأحد المشروعات المتطورة في هذا المجال، في لفتة ودية بالغة الدلالة.
وتضمن جدول الزيارة إلقاء الرئيس السيسي كلمة أمام مجلس الفيدرالية الروسي وهو الغرفة الأعلى للبرلمان هناك، كأول رئيس لدولة أجنبية يمنح هذه الفرصة، وهي إشارة أخرى للمناخ الإيجابي والودي من الجانب الروسي، وتعبيرًا عن التقدير لمصر ورئيسها.
8 لقاءات سابقة بين السيسي وبوتين
ويرصد تقرير هيئة الاستعلامات اللقاءات الثمانية التي سبقت هذا اللقاء بين الرئيسين السيسي وبوتين، ففي 2014 زار السيسي روسيا بصفته وزيرًا للدفاع مع وزير الخارجية آنذاك، وأعلن السيسي في ذلك الوقت أن زيارته لموسكو بمثابة انطلاقة جديدة للتعاون العسكري والتكنولوجي بين البلدين.
وفي أغسطس 2014 كانت أول زيارة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى روسيا عقب توليه رئاسة الجمهورية، وعقد مباحثات ثنائية مع بوتين، وفي ختام القمة المصرية الروسية التي عقدت في منتجع سوتشي؛ أعلن الرئيس السيسي أن موسكو والقاهرة اتفقتا على إقامة منطقة صناعية روسية كجزء من المشروع الجديد لقناة السويس.
وفي فبراير 2015 زار الرئيس فلاديمير بوتين مصر لمدة يومين، ووقع البلدان العديد من الاتفاقيات خلالها في مختلف المجالات، وخلال هذه الزيارة أقام الرئيس عبدالفتاح السيسي حفل عشاء خاصًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في برج القاهرة والذي يعد رمزًا للصداقة التاريخية بين البلدين في الستينيات كما حضر الرئيسان عرضًا ثقافيًا حول العلاقات بين البلدين في دار الأوبرا المصرية.
وفي مايو 2015 كانت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الثانية كرئيس للجمهورية إلى روسيا، للمشاركة في احتفالات الذكرى الـ70 لانتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية، وكانت المرة الأولى التي تدعو فيها روسيا رئيسًا مصريًا لهذه المناسبة المهمة لديهم.
وفي أغسطس 2015 زار الرئيس السيسي موسكو، والتقى مع بوتين، وبحثا سبل دعم العلاقات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري بين البلدين، والمشروعات الاستثمارية المشتركة المزمع إقامتها، وإمكانية إنشاء مصر منطقة للتجارة الحرة مع دول الاتحاد الجمركي الأوراسي، والاتفاق على اتخاذ الخطوات العملية اللازمة لتفعيل فكرة إنشاء صندوق استثماري مشترك بين كل من مصر وروسيا والإمارات، لصالح تنفيذ عدد من المشروعات التنموية والاستثمارية في مصر.
وفي سبتمبر 2016 التقى الرئيسان على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين، التي استضافتها مدينة هانجشو الصينية، كما التقى السيسي وبوتين من جديد على هامش قمة مجموعة البريكس، التي عقدت بمدينة شيامن الصينية سبتمبر 2017 والتي تناولت عددًا من القضايا الثنائية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وفي ديسمبر 2017 قام الرئيس بوتين بزيارة لمصر وقع خلالها اتفاق مشروع الضبعة النووي بين مصر وروسيا.
على صعيد آخر، حرص رئيس الوزراء الروسي "ديمتري ميدفيديف" على المشاركة في احتفالات مصر بافتتاح قناة السويس الجديدة في أغسطس 2015 حيث قام التليفزيون الرسمي في روسيا بنقل كافة وقائع مراسم الافتتاح والاحتفال على الهواء طوال ذلك اليوم.
قفزة في التبادل التجاري
بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا خلال العام الماضي 6.5 مليارات دولار معظمها صادرات روسية لمصر فيما تبلغ صادرات مصر إلى روسيا أكثر قليلًا من 500 مليون دولار.
وعلى صعيد الاستثمارات، تم الاتفاق بين الجانبين المصري والروسي بشأن إنشاء منطقة صناعية روسية في شرق بورسعيد التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ستقام هذه المنطقة الصناعية على مساحة ٥ كيلومترات مربعة باستثمارات تبلغ ٧ مليارات دولار في شرق بورسعيد للصناعات اللوجستية، وستوفر ما يقرب من ٣٥ ألف فرصة عمل. ووفقًا لتصريحات وزير التجارة والصناعة الروسية فقد أبدت أكثر من 130 شركة روسية رغبتها في افتتاح خطوط إنتاج لها في هذه المنطقة، كما تعمل شركات روسية رائدة في مجال التنقيب عن النفط والغاز في مصر.
التعاون العلمي والثقافي
تأثر المصريون في مجال القصة والرواية والشعر بالتجربة الروسية في الأدب مثل أعمال تولستوي وتشيخوف ودوستويفيسكي وبوشكين.
ومنذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر شهدت مصر لأول مرة نزوح أحد رواد الثقافة العربية والإسلامية هو الشيخ محمد عياد الطنطاوي الذي اهتم بالأدب الروسي والثقافة الروسية ليكمل حياته هناك، وفي عصر محمد على في ثلاثينيات القرن التاسع عشر اختار 4 شباب من النابغين ليرسلهم في بعثة إلى سيبيريا لكي يدرسوا علم التعدين هناك.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين تعزز التعاون الثقافي والعلمي بشدة، حيث استندت القاعدة العلمية التي أقامها الرئيس جمال عبد الناصر في المجالات العسكرية والصناعية والمدنية على التعاون مع الاتحاد السوفييتي، كما تلقى عشرات الآلاف من المصريين تعليمهم في المؤسسات التعليمية الروسية في مختلف مجالات العلوم والصناعة والفنون والآداب، وعادوا ليتبوءوا مناصب وأدوارًا عديدة في جهود التنمية والثقافة في مصر.
ومنذ بدأ التعاون الثقافي بين مصر وروسيا بدأت حركة الترجمة للأعمال الأدبية الروسية حيث ترجمت أعمال توليستوي وبوشكين وعدد كبير من الكتاب الكبار إلى اللغة العربية، مما ساعد المثقف المصري في اكتشاف التقارب الكبير بين الثقافة المصرية والروسية، واكتشاف التشابه بين الثقافتين والحضارتين، كما يظهر التشابه بين الموسيقى الروسية والشرقية وخاصة في موسيقي "شهرزاد" والتي يرجع تأليفها إلى الموسيقار الروسي ريمسكى كورساكوف.
وبدأت الجامعة المصرية الروسية العمل في عام 2006 في مدينة بدر ومن أهم أهدافها إرساء دعائم التعاون العلمى مع الجانب الروسى، حيث تم إنشاء الجامعة بالتعاون مع 7 من أفضل الجامعات الروسية، بما يضمن تقديم برامج أكاديمية متميزة، وفى عام 2011 احتفلت الجامعة بتخريج أول دفعة من كليتي الهندسة والصيدلة.
أول تعاون مصري روسي بعد مشروع السد العالي
التعاون المصري الروسي في إنشاء محطة نووية لإنتاج الطاقة في منطقة الضبعة يعيد إلى الأذهان إلى حد كبير التعاون بين القاهرة وموسكو في بناء السد العالي، فكل من المشروعين له طابع إستراتيجي مهم، ويمثل نقلة في استخدام التكنولوجيا الحديثة من أجل صالح ورخاء الشعب المصري.
وقد بدأت أولى خطوات هذا المشروع الكبير في عام 2015 حيث وقع الرئيسان السيسي وبوتين اتفاقية لإقامة محطة نووية في منطقة "الضبعة" في مصر، وهي الخطوة التي تدشن دخول مصر عصر تكنولوجيا الطاقة المتجددة من خلال الاستخدام السلمى للطاقة النووية على نطاق واسع.
وتستوعب محطة الضبعة إنشاء 8 محطات نووية تتم على 8 مراحل، المرحلة الأولى تستهدف إنشاء محطة تضم 4 مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء، بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات، ويتم تمويل مشروع المحطة النووية بالضبعة من خلال القرض الروسي والذي يقدر بـ 25 مليار دولار على مدى 13 دفعة سنوية متتالية ومن المقرر أن يبدأ التشغيل التجريبي لأول مفاعل نووي في المشروع في عام 2022 ويكتمل الإنجاز في عام 2028.
وفي 11 ديسمبر 2017 وقع الطرفان على اتفاق إنشاء المحطة النووية في الضبعة في قصر الاتحادية بحضور الرئيسين السيسي وبوتين بعد جلسة مباحثات بينهما حيث أكد الرئيس السيسي في المؤتمر الصحفي مع الرئيس الروسي أن مصر وروسيا تهدفان إلى استعادة الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط.
علاقات متجذرة
يشير تقرير هيئة الاستعلامات إلى أن العلاقات المصرية الروسية تاريخية، كانت فترة ازدهارها في الخمسينيات والستينيات، ولكن جذورها تمتد أبعد من ذلك بكثير، ففي 26 أغسطس 1943 بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفييتي ومصر، وكانت الخطوة الأولى للتعاون بين الطرفين في أغسطس عام 1948، حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفييتي.
وشهدت العلاقة تطورات بارزة بعد ثورة يوليو عام 1952، حيث ساند الاتحاد السوفييتى مصر بقوة في مواجهة العدوان الثلاثى عام 1956، ثم تقاربت سياسات الدولتين عالميًا في مساندة حركات التحرر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للتخلص من الاستعمار الغربى، وكذلك في دعم تجمعات العالم الثالث كحركة عدم الانحياز وغيرها.
وكان الاتحاد السوفييتي أكبر مساند لمصر عالميًا وأمدها بالأسلحة والمعدات العسكرية والدعم السياسي المطلق، الأمر الذي مكن الشعب المصرى من خوض حرب أكتوبر عام 1973 التي خاضتها مصر بسلاح روسي في المقام الأول.
وعلى صعيد التنمية، دعم الاتحاد السوفييتي جهود مصر التنموية في فترة الخمسينيات – الستينيات من القرن العشرين، وقدم لمصر المساعدة في تشييد السد العالي الذي كان أكبر رمز للتعاون المصري السوفييتي، خاصة وأن معركة بنائه كانت ذات أبعاد سياسية تتعلق بالكرامة الوطنية بعد رفض الغرب تمويل السد من المؤسسات الدولية، فضلا عن حاجة مصر إلى مساعدات فنية وهندسية في عملية البناء.
كما ساعد آلاف الخبراء السوفيت مصر في إنشاء المؤسسات الإنتاجية الكبرى مثل مصانع الحديد والصلب، ومجمع الألومنيوم، وتحويل خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية، وعمل نواة لمفاعلات نووية سلمية في انشاص، وتعاون في مجال صناعة السيارات ومحطة كهرباء أسوان، وتم في مصر إنجاز 97 مشروعًا صناعيًا بمساهمة الاتحاد السوفييتي.
وفى بداية التسعينيات كانت مصر في طليعة الدول التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، وتطورت العلاقات السياسية على مستوى رئيسي الدولتين والمستويين الحكومي والبرلماني، وتم تبادل الزيارات الرئاسية خاصة في عهد الرئيس بوتين حيث تم توقيع اتفاق تعاون مصري روسي مشترك وسبع اتفاقيات تعاون عام 1997، ثم اتفاقيات أخرى مهمة خلال الأعوام التالية.
وشهدت العلاقات السياسية بين البلدين تطورًا إيجابيًا عقب ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013 بدأت بزيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين إلى مصر في 14 نوفمبر 2013، وزيارة وزيري الخارجية والدفاع المصريين إلى روسيا يومي 12 و13 فبراير 2014، وتوالت هذه الاجتماعات بانتظام بصيغة «2+2»، بما يجعل مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تبنت موسكو معها هذه الصيغة التي تتبناها روسيا مع خمس دول أخرى هي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان.