رئيس التحرير
عصام كامل

محمد فودة يكتب: لأنك الله الصمد

محمد فودة
محمد فودة

كعادتي أزور مسجد السيدة زينب "رضي الله عنها" من حين لآخر، لكن تلك المرة كان الأمر مختلفا عن الزيارات السابقة.. تعلمت درسا لن أنساه طيلة حياتي، ربما أتحدث عنه بالتفصيل لاحقا.


فما بين الأذان وصلاة العشاء ليوم الأربعاء الماضي ١٠ أكتوبر، استوقفني ذلك الرجل الأربعيني الذي يفترش جزءًا معينًا لتنظيف المسجد، ممسكًا "بسكينة المعجون"، ويكحت في أرضية الرخام، للوهلة الأولى كنت أحسبه خادمًا في المسجد، ولكني اكتشفتُ أنه غير ذلك.. تعرفت على طبيعة المهمة التي يؤديها، ولماذا هو ينظف أرضية المسجد بالذات وأشياء أخرى كثيرة.. ثم تركته لأداء صلاة العشاء، وبعد العودة اقترحت عليه كتابة قصة عن يومياته في المسجد، لكنه رفض رغم محاولاتي الكثيرة لإقناعه.

وقال لي: «هذا العمل لله، وأنا مش حابب أشرك معاه فيه شيء آخر.. وأنا ممكن أقول لك كلام كتير جدا، لكن أنا عاوز العمل دا بيني وبين ربنا".. فاستجبت لرغبته وامتد النقاش بعد ذلك في أمور عديدة لأكثر من ساعتين.. اكتشفت أنه على درجة عالية من العلم لم أكن لأتوقعها إطلاقًا.. لربما كان هذا اللقاء تجسيدًا لمقولة "مولانا" جلال الدين الرومي: "ما تبحث عنه يبحث عنك".

وأثناء النقاش الممتد مع الرجل إذا بصوت عذب يردد «الصمد» كأنني لأول مرة أسمعها في حياتي.. كلمة تقشعر لها الأجساد.. بدأ الصوت يعلو شيئا فشيئا.. كان يرددها أتباع إحدى الطرق الصوفية في حلقة للذكر بالمسجد، انتهى لقائي مع ذلك الرجل، وما زال صدى الكلمات يتردد في ذهني «الصمد.. الصمد.. الصمد».. صرت أبحث عن معنى الكلمة التي لم تذكر سوى مرة واحدة في سورة الإخلاص.. قرأناها آلاف المرات و نقرأها يوميا دون أن نعي معناها، وأثناء البحث وقعت عيني على كتاب "لأنك الله"، للكاتب على بن جابر الفيفي وهذا بعض ما جاء فيه..
"إذا كان الضعف قد بنى حولك سجنا ضيقا لا تستطيع الخروج منه!
إذا حاصرتك الحاجات وداهمتك الخطوب، والتفت من حولك الهموم، وأخذت روحك في الهرب إلى المجهول، فأنت في حاجة إلى أن تصمد إليه..
اسم الله «الصمد» سيمدك بكل ما تحتاجه لتكون قويا في هذه الحياة، وتجابه واقعك بشموخ، وتتجاوز عقدك بعزيمة!
ابدأ مع «الصمد» عهدا جديدا ثم ثق أن الغد سيكون أفضل من اليوم.. وبكثير..
الصمد اسم كما ترى بالغ الهيبة، قوي الحروف، شامخ المعنى، قليل الورود والذكر، ذو جلالة خاصة.
وكأن الصمود له أهم تجليات الإخلاص في العبادة، فمن أكثر من استحضار معنى الإخلاص في عباداته، أكسب قلبه صفة الرضوخ إلى مولاه، والصمود له وعدم الالتجاء إلا إليه.
ضع يمين قلبك ما شئت ويساره ما شئت، ولكن أمامه لا تضع إلا مرضاة الله، إلا مراقبة الله، إلا حب الله".
أعجبتني مقولة نقلها أبو حامد الغزالي يقول فيها عن اسم الله الأعظم: "فرغ قلبك من غيره ثم ادعه بأي اسم يجبك"..
وهذا فحوى معنى الصمد، اجعل في قلبك الله، ثم قل أي شيء من مرضاته سيكون رباني المسحة، ورباني الصبغة..
كل عارض يعرض إنما هو رسالة تقول لك: لديك رب فالتجئ إليه..
المرض رسالة لتذل له..
والفقر برقية لتسجد له..
والضعف مكالمة تقول لك استجلب القوة من القوى.
الحياة كلها تصرخ في وجهك: لديك رب، اصمد إليه!
الجريدة الرسمية