«النيل لحليج الأقطان» والتأثير السلبي على الاستثمار
في إطار التوسع في المجال الصناعي الذي يخدم المجال الزراعي، أمر الزعيم جمال عبد الناصر عام 1965 بتأسيس شركة "النيل لحليج الأقطان"؛ لتقوم بدورها في استغلال القطن المصري الذي كان يميز مصر وقتها، ذلك القطن طويل التيلة التي كانت مصر تنفرد بزراعته، قبل أن تتدخل السياسات التآمرية لتدمير تلك الزراعة المهمة والحيوية التي كانت تعود على الشعب المصري بما يقدر ب 180 مليون دولار.
فكان اهتمام الزعيم عبد الناصر بالقطن المصري، وإنشاء مصانع تعمل على الحليج والاستغلال الأمثل لذلك الذهب الأبيض، ولم يكن يعلم أنه سيأتي اليوم على مصر بعد أن كانت أساس زراعة القطن طويل التيلة في العالم، ومقر بورصته، تصبح فيه مصر مستوردة لأقطان رديئة وسيئة من اليونان والسودان، بل وصارت تلك الزراعة تميز إسرائيل التي يؤكد بعض الخبراء أنها هي التي تدخلت بنفوذها لدى أحد وزراء زراعة مبارك؛ ليقوم باستيراد تقاوي لقطن مصابة أدى إلى خسائر للفلاح مع عزوف الحكومة عن مساندته.
مما أدى إلى عزوف الفلاح عن زراعة القطن، وتفضيله الزراعات السريعة من الخضراوات المربحة، وقد صار القطن طويل التيلة من إنتاج إسرائيل!
واستمرت شركة "النيل لحليج الأقطان" تقوم بدورها المنوط بها حتى تم تخريب زراعة القطن، وبصدور القانون 203 لسنة 1991، أصبحت الشركة إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والتجارة الدولية، وقيدت أسهم الشركة ببورصة الأوراق المالية بالقاهرة والإسكندرية في 29 / 1 / 1996، وخلال النصف الثاني من عام 1997 طرحت الشركة القابضة حصتها في أسهم الشركة للتداول ببورصة الأوراق المالية.
وقد تم بيع هذه الحصة بالكامل فأصبحت نسبة مساهمة القطاع الخاص والأفراد واتحاد العاملين المساهمين (100%) من رأس المال، وكانت قيمة السهم الذي قدرته الدولة قد لاقى إقبالًا كبيرًا مما ضاعف من قيمته، لكن أزمة الشركة بدأت عام 2011 بدعوى قضائية أقامها أحد المحامين الباحثين عن الشهرة بعد أحداث 25 يناير، وقضت ببطلان بيع "النيل لحليج الأقطان"، بدعوى أن عملية البيع تمت بطرق غير سليمة، وانتهى الأمر بعودة الشركة إلى الدولة مرة أخرى ووقف التداول على أسهمها في البورصة.
وهنا تعرض 80% من حملة الأسهم المصريين، و20% من الأجانب لورطة، حيث منذ هذا التاريخ صارت أموالهم مجمدة، فلا هم قادرون على بيع أسهمهم في البورصة، ولا الحكومة قادرة على تعويضهم وصرف مستحقاتهم، وفكر الأجانب منهم في الإقدام على التحكيم الدولي ضد مصر، خاصةً أنهم طلبوا المستندات اللازمة لإقامة دعوى التحكيم.
وفي عام 2017 كلفت الحكومة هيئة الرقابة الإدارية، بالتدخل لحل الأزمة، على أن يتم ذلك دون تكبد الحكومة أي تكاليف، وتواصلت «الرقابة الإدارية» مع إدارة النيل لحليج الأقطان، وطالبتها بإرسال جميع المستندات المتعلقة بالأزمة، لدراستها وبحث إمكانية إيجاد حل يرضي جميع الأطراف.
ولا تفضل الحكومة استعادة الشركة، لأن هذا الحل سيكبدها مبالغ كبيرة، إضافة إلى رؤيتها عدم وجود جدوى استثمارية لعودتها للقطاع العام، وأكدت وزارة الاستثمار لأطراف الأزمة ضرورة الحل الودي، دون اتخاذ إجراءات قوية تضر بسمعة الاستثمار في مصر.
وقد طرحت الحكومة مقترحا وديا لحل الأزمة، يقضي بإمكانية تنفيذ الحكم القضائي، عبر نقل ملكية شركة «النيل» للحكومة ممثلة في الشركة «القابضة للتشييد»، ورقيًا فقط بقيمة معينة، على أن يتم إعادة بيعها مرة أخرى للمساهمين، مقابل نفس القيمة المنصوص عليها في العقود، مضافًا إليها رسوم بسيطة تُحدد لاحقًا، وقد أبدا كبار مساهمي «النيل لحليج الأقطان» موافقتهم على مقترح تنفيذ الحكم ورقيًا فقط، من أجل إنهاء الأزمة وعودة الشركة إلى العمل وإيقاف الخسائر المتراكمة.
وبعد تنفيذ الاقتراح ومطالبة المستثمرين وزارة قطاع اﻷعمال، وشركتها التابعة «القومية للتشييد»، بالعمل على حل الأزمة، بعد أن صارت الشركة تابعة لهم، فوجئ المستثمرون بتبرؤ وزارة قطاع اﻷعمال وشركتها التابعة «القومية للتشييد»، من كونها معنية بحل أزمة الشركة والمستثمرين، باعتبار الأخيرة تابعة لقانون الشركات 159، فيما تعمل الوزارة، وفقًا لقانون 203 الخاص بشركات قطاع الأعمال العام.
حيث يأتي دور الوزارة عقب استحواذ الحكومة على الشركة، وليس أثناء المرحلة الحالية لحل الأزمة، حيث قد يقتصر دور الوزارة فقط على تقديم تقرير استشاري عن موقف الشركة، واحتدم الصدام حول استيفاء الأوراق الخاصة بإعداد القيمة العادلة لسهم الشركة، من قبل شركتي فينكورب للاستشارات المالية و”3seas” للاستشارات المالية، ما أدى إلى انسحاب الشركتين من إعداد القيمة العادلة للسهم.
ودخلت الأزمة في الروتين والصراع بين الشركة والحكومة والمستثمرين، مما انعكس بالسلب على مناخ الاستثمار في مصر، ويمتلك المساهمون السعوديون نحو 10% من أسهم الشركة، وهي النسبة الأكبر من هيكل ملكية الأجانب ككل، والتي تقارب 20% من الأسهم حرة التداول، وتتوزع على جنسيات مختلفة أغلبها عرب سعوديين وكويتيين وسوريين وإماراتيين، وأجانب غير عرب أغلبهم إنجليز.
وقام المساهمون السعوديون بتغيير مسار تحركاتهم بداية عام 2016، ولجئوا لوزارة الخارجية وجمعية المستثمرين السعوديين في مصر، للوصول لحلول سريعة بعد تأزم القضية، وطول مدة التقييم الحالي، وبدأ المساهمون الإنجليز، أولى خطوات التصعيد في مارس 2016 بالعودة لطرق باب التحكيم الدولي من جديد، لإقامة دعوى ضد الحكومة المصرية، أمام أحد مراكز التحكيم الدولي بلندن لاستعادة حقوقهم، كما قام المساهمون الكويتيون بتعيين شركة «بيلارز» الكويتية، والمتخصصة في مجال الاستشارات الإدارية والاقتصادية والمالية، لتحديد القيمة العادلة لسهم شركة النيل لحليج الأقطان.