طرح جثة جمال خاشقجي في مزاد الابتزاز السياسي «تحليل إخباري»
اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي.. هذه هي الحقيقة الوحيدة حتى الآن منذ اندلاع الأزمة، عقب زعم خطيبته التركية دخوله مبنى قنصلية الرياض في مدينة إسطنبول، بالرغم من هذه الحقيقة وعدم ظهور جثة الكاتب السعودي "المختفى"، سارعت آلة الإعلام القطرية والتركية والأذرع الإعلامية للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان، إلى نسج القصص التي تشبه أفلام هوليوود المرعبة.
تقطيع الجثة
ذهب بعضها إلى حد الزعم بتقطيع جثة خاشقجى بمنشار، وكتب الآخر سيناريو أكثر تفاؤلا حول نقله داخل صندوق سيارة من داخل مبنى القنصلية إلى مطار إسطنبول، على يد ما أسماهم الإعلام التركى "مجموعة الـ15".
اللافت وسط هذا الفيض من التقارير والسيناريوهات، هو عدم صدور أي تصريحات لمسئولين من كلا البلدين -تركيا والسعودية- ينفى أو يؤكد مقتل خاشقجى.
الأمر الأخير المثير للتساؤلات، هو سر جزم قطر والإخوان بمقتل خاشقجى عقب ساعات قليلة من اختفائه وانحازت تصريحات الأطراف التي فرضت نفسها على الأزمة إلى تأكيد مقتل خاشقجى، بشكل يوحى تورط هذه الأطراف في العملية.
فخ تركى
إلى ذلك لا يمكن إنكار وجهة نظر من يوجهون الاتهام إلى السعودية، في ظل الخصومة الحادثة بين الكاتب المختفى وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أفشل مشروع خاشقجى في الترويج للتحالف السعودي القطري التركى، والتقارب مع جماعة الإخوان.
لكن في التوافق مع نظرية تورط السعودية في هذه الجريمة النكراء، لا يمكن غض الطرف أيضا عن تعاون تركى في استدراج الصيد من الولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق خطيبته وتسهيل دخول ما أسماهم الإعلام التركى بـ"مجموعة الـ 15" التي سارعت وكالة الأناضول الرسمية وعدد من الصحف الموالية لنظام رجب طيب أردوغان، في نشر صورهم ومعلومات حول هويته، بطريقة مريبة تعكس تواطؤ السلطات التركية بشكل ما أو بأخر في العملية، سواء بالرغبة في تقديمه عربون صلح مع الرياض، في ظل أزمة أنقرة الاقتصادية، أو بهدف إيقاع المملكة في الفخ وتوريطها بجريمة كبرى تجلب لها زوبعة تصريحات من عواصم العالم.
استغلال قطري
القضية الغامضة لاختفاء خاشقجى والتي تتوسع رقعتها يوما بعد يوم، تضع قطر في قفص الاتهام، خصوصا مع تبنى "الجزيرة" للقضية ليل نهار وميلها لتوجيه الرأي العام الدولى في اتجاه مقتل خاشقجى وتقف على بعد خطوات من إذاعة فيديو يظهر جثته بشكل حصرى.
الدور القطري في الأزمة تجسد أيضا في الحشد الفوري لعناصرها المقيمة في إسطنبول لتنظيم تظاهرات احتجاجية أمام مبنى القنصلية السعودية، ورصدت عدسات الكاميرات حضور فاعل لعناصر الإخوان المصرية الهاربة إلى هناك، علاوة على استدعاء "رداحة المظاهرات" الناشطة اليمينة توكل كرمان.
ابتزاز ترامب
بعيد عن اللعب الإقليمى في ملف اختفاء خاشقجى، حضر بقوة في قلب المشهد الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، ونصب نفسه مدافعا عن خاشقجى، وحرك مسئولون بارزون في إدارته للتواصل مع المملكة.
ترامب رجل الصفقات الذي يناصب الصحافة والصحفيين العداء ولا يفوت فرصة للتحريض على قتلهم على يد عناصر اليمين المتطرف، ارتدى ثوب محامى خاشقجى، مستغلا الأزمة بشكل واضح بهدف ممارسة الابتزاز الذي اعتادته مع الرياض، على مدار الأيام الماضية من خلال مطالبته بدفع المليارات مقابل الحماية.
طاولة المقامرة
خلاصة ما سبق تحصر قضية الاختفاء الغامض حتى الآن، في اتجاه رغبة مجتمعة لعدد من الأطراف الغامضة في وضع السعودية على طاولة مقامرة وابتزازها سياسيا واقتصاديا.
في ظل وجود طرف يتحدث عن جريمة قتل بدون ظهور جثة، من المرجح أنه الوحيد الذي يعلم مكان وجودها، وطرف آخر يتحدث عن عملية اختطاف تمت بخطة استخباراتية لا تتناسب مع حجم خاشقجى كمعارض "محتمل" للنظام، في ظل وجود شخصيات أشرس منه عداء لقصر اليمامية ويظهرون بشكل يومى على شاشات الفضائيات، مع الأخذ في الاعتبار أنه في حال توفر رغبة لدى الرياض للتخلص من خاشقجى توجد شركات ومجموعة خاصة تعمل لصالح الأنظمة في العالم لتنفيذ عمليات التصفية بمقابل مالى لا تعجز خزائن السعودية عن دفعه، بدون توريط نفسها بصورة علنية في عملية مشبوهة تجلب لها عواقب وخيمة.. وحتى اتضاح الصورة الكاملة سوف يظل الجميع في حالة ترقب لظهور خاشقجى الحى أو المرحوم.