رئيس التحرير
عصام كامل

عوامل يجب مراعاتها عند اختيار بورصة العملات الرقمية


رغم الانخفاضات الحادة التي شهدتها أسعار العملات المشفرة خلال الأونة الأخيرة، إلا أن الاهتمام بهذه الفئة الناشئة من الأصول لم يتراجع على الإطلاق.


ولا يقتصر الأمر على المتداولين الأفراد، والذي ينضم الآلاف منهم كل يوم إلى منصات الأصول الرقمية، بل امتد أيضًا إلى البنوك الكبرى والبورصات العالمية.

على سبيل المثال، أعلنت بعض المؤسسات المصرفية الكبرى مثل غولد مان ساكس، مؤخرًا عن إطلاق مكاتب تداول مختصة بالعملات المشفرة ومشتقاتها المالية في إطار السعي لاجتذاب جمهور المستثمرين من المؤسسات إلى هذه السوق الفريدة.

وبغض النظر عن نوع المستثمر، أو الهدف من الاستثمار، تظل الخطوة الأولى للدخول إلى هذا العالم المثير هي الالتحاق بإحدى البورصات المتخصصة، سواء بغرض شراء أو بيع هذه العملات أو المضاربة على اتجاهات الأسعار، وبرغم بداهة هذه الخطوة إلا أن الشخص المبتدئ قد يشعر بالارتباك عندما يعرف أن هناك أكثر من 200 بورصة رقمية تختلف في أماكن تواجدها وطبيعة تنظيمها، ونوعية وأعداد الأصول التي توفرها، ناهيك عن مصداقيتها وسجلها السابق في مجال الأمن والحماية من القرصنة الإلكترونية.

وتعتبر بورصة Gate.io مثال جيد على البورصات الرقمية التي تتبع إجراءات صارمة لحماية أصول عملائها وتفادي مخططات تضخيم الأسعار، على سبيل المثال لا تتقاضى البورصة أي رسوم مقابل إدراج عملات جديدة على منصتها، وهو ما يجنب العملاء التعرض لأصول بلا قيمة حقيقية.

ولا تقتصر إجراءات التأمين على تدقيق العملات المدرجة أو الابتعاد عن تلقى حوافز مالية لقبولها، بل تشمل أيضًا إشراك المستخدمين في عمليات الإدراج الجديدة من خلال نظام محكم للتصويت، كما تخضع العملات الجديدة على المنصة لفترة تجريبية تصل إلى 3 أشهر.

في كل الأحوال يظل اختيار البورصة التي ستتداول معها قرارًا بالغ الأهمية والتأثير على مستقبلك كمستثمر أو متداول في أسواق العملات الرقمية، وهناك بعض الإرشادات والعوامل المهمة التي يمكن أن تبني عليها قرارك الهام، بغض النظر عن مدى خبرتك.

عوامل الأمان
الخطوة الأولى في اختيار البورصة الرقمية هو التدقيق في بروتوكولات التأمين التي تتبعها لحماية أصول عملائها من الضياع نتيجة عمليات القرصنة الإلكترونية.

هناك سجل طويل يضم العديد المنصات الشهيرة التي تعرضت للإفلاس أو سرقة جزء كبير من أموال عملائها بسبب ضعف الإجراءات الأمنية المطبقة، وشملت القائمة أسماء كبرى مثل بورصة Mt. Gox، والتي كانت تستحوذ في وقت من الأوقات على ثلثي تعاملات البيتكوين في العالم.

أما بالنسبة للمصداقية، من الضروري الإشارة إلى أن واحدة من أبرز المشكلات التي تعاني منها سوق العملات المشفرة هي عمليات الاحتيال التي تعتمد على المضاربات الوهمية، وليس المقصود السرقة بل المخططات التي يطلق عليه "Pump-and-Dump" والتي تعني ببساطة اتفاق بين مجموعة من المتداولين على تضخيم قيمة إحدى العملات بشكل مصطنع بهدف إغراء المستثمرين الآخرين للانضمام إلى قافلة المشترين، وبالتالي تغذية مزيد من الصعود دون الاستناد إلى أي مبررات منطقية.

وبمجرد وصول السعر إلى نقطة معينة تبدأ هذه المجموعات في بيع كافة ما لديها ما يؤدي إلى انهيار السعر في دقائق أو ساعات قليلة، وينتهي المطاف بالمتداولين الذين تم خداعهم بضياع استثماراتهم نتيجة ضخها في عملات بلا أي قيمة بعد انتهاء الفورة السعرية المخطط لها، ولهذا السبب من الضروري التحري عن طبيعة الإجراءات التي تطبقها البورصة لتفادي هذه النوعيات من حالات الاحتيال.

التواجد الفعلي للبورصة
يعتبر التأكد من التواجد الفعلي للبورصة أو الشركة التي تديرها على أرض الواقع أحد الاعتبارات المهمة في سياق تقييم مصداقية هذه البورصة، وهناك بالطبع أسباب كثيرة تبرر أهمية هذا المعيار، ربما أولها هو أنها تضفي قدر كبير من الشفافية وتؤكد من ناحية أخرى على قانونية الأعمال التي تزاولها البورصة المعنية.

وتعد بورصة العملات المشفرة Coinbase مثالا واضحا على ذلك فحصلت في يوليو الماضى على موافقة من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) وهيئة تنظيم الصناعة المالية (FINRA) لإدراج العملات الرقمية التي تعتبر أوراقًا مالية، حسبما أفادت بلومبرغ.

العامل الثاني هو أن وجود مقر فعلي للبورصة يسهل كثيرا من إجراءات الرقابة عليها من جانب السلطات المختصة في البلد الذي تتواجد به، ناهيك عن تسهيل إجراءات التقاضي في حال تعرضت هذه البورصة لمشكلات القرصنة أو الإعسار المالي.

وبالتالي يساعد التعرف على موقع البورصة في تسهيل استرداد أصول العملاء مع إتاحة مسار قانوني يمكن السير عليه لاستعادة أموالك إذا ما تعرضت لمشكلات من أي نوع، حيث توضع أصول الشركة المالكة للمنصة وحساباتها المصرفية في أغلب الأحوال تحت سيطرة الجهة الرقابية إلى حين فض المنازعات مع عملائها.

على سبيل المثال، من المعروف أن بورصة مثل Gate.io تزاول عملياتها انطلاقًا من الصين وكوريا الجنوبية كما أنها مسجلة في جزر كايمان مع ملاحظة أن البورصة تخطط لنقل مقرها الرئيسي إلى مالطا.

العملات المدعومة
هناك اختلاف كبير في عدد العملات المشفرة التي تدعمها البورصات الرقمية، وهذا التباين يؤثر بشكل كبير أيضًا على فرصك الاستثمارية ومدى ملائمة الأصول المدرجة لأسلوب تداولك الخاص، ولا توجد أفضلية كبيرة في هذا الصدد بل يقتصر الأمر في أغلب الأحوال على مدى ملائمة المعروض من العملات المشفرة لاحتياجاتك الشخصية.

وعلى سبيل المثال أيضا فإن واحدة من أشهر البورصات الرقمية وأكثرها موثوقية مثل Coinbase لا توفر سوى عدد محدود للغاية من العملات المشفرة، وبرغم ذلك تظل خيارًا مثاليًا للمستثمرين الكبار الذي يرغبون في ضم هذه الفئة من الأصول الجديدة إلى محافظهم الاستثمارية.

وفي مثل هذه الحالات، فإن توفر عدد قليل من العملات الرئيسية سيكون أكثر من كافي للاستثمار وتنويع المخاطر، ويختلف الأمر مع المستثمرين الأفراد، والذين يفضلون وجود تنوع أكبر في العملات المشفرة المتاحة، خصوصًا تلك التي يطلق عليها العملات البديلة، باعتبار أنها تعطيهم فرص تداول أكثر وأفضل مع إمكانية التحوط من تقلبات السوق باستخدام استراتيجيات متعددة.

جدير بالذكر أن تنوع العملات المتاحة لا يتعارض بالضرورة مع اعتبارات الأمان الواجبة في البورصات الرقمية، على سبيل المثال، برغم صرامة إجراءات الإدراج التي تتبعها بورصة مثل Gate.io، إلا أنها توفر تشكيلة واسعة من الأدوات الاستثمارية تشمل 200 عملة مشفرة و400 زوج تبادل.

كما تتيح المنصة ميزة التداول بالهامش، مع تطبيق رافعة مالية تصل إلى ضعف قيمة الاستثمار على عملات معينة مثل البيتكوين والإيثريوم وUSDT.

توفر خدمات التخزين والمحافظ الرقمية
ويعتبر توفر خدمات حفظ الأصول الرقمية واحدة من أهم المزايا التي تقدمها عدد محدود من البورصات المرموقة مثل محفظة Wallet.io، وتساعد هذه المحافظ المدمجة في تسهيل وتسريع عملية التداول حيث يستطيع المستثمر استدعاء الأموال من محفظته وإدخالها في صفقات تداول بسرعة.

وبمجرد إغلاق الصفقات وتسييل الأموال، يمكن تخزينها مرة أخرى خلال بضعة ثواني، ويختلف الأمر إذا كانت البورصة التي تتعامل معها لا توفر هذه الخدمة حيث ستضطر للانتظار لبعض الوقت حتى تتمكن من إرسال أو استقبال الأموال من وإلى المحفظة الخارجية، الأمر الذي قد يؤدي في بعض الحالات إلى ضياع بعض فرص التداول السانحة التي قد تظهر وتختفي في دقائق معدودة.

الرسوم التي تتقاضاها البورصة
وتختلف البورصات الرقمية في هيكل وطبيعة الرسوم التي تتقاضاها من المتعاملين عبر منصاتها، فضلًا عن طبيعة ونوع عمليات التداول، فهناك بورصات توفر خدمات التداول المباشر بين أعضائها وفق تقنية الند للند (P2P)، وفي هذه الحالة لا تتدخل البورصة في الصفقات التي يجري مطابقتها بين البائعين والمشترين ويقتصر دورها على تسهيل إتمام الصفقة وتقاضي رسوم مقابل ذلك. بعض البورصات الأخرى تعمل بطريقة أقرب إلى شركات الوساطة أو صانعي السوق حيث تكون هي الطرف المقابل في صفقة العميل مع إتباع بعض الإجراءات للتحوط من تزايد الانكشاف على صفقات البيع أو الشراء.

وهناك نقطة فرعية ولكنها هامة هي أن بعض البورصات تقوم بإصدار عملات خاصة بها وفي الغالب تقدم بعض المزايا والمكافآت لتشجيع المستخدمين على اقتنائها، مثل منح الخصومات أو إعفاء من الرسوم أو ما شابه ذلك. ولكن البعض الأخر مثل Gate.io، فضل عدم إطلاق عملة خاصة بها ضمن منظومة منتجاتها بهدف تجنب شبهات التواطؤ لدعم عملتها على حساب مصلحة المستخدمين أو العملات الأخرى الأكثر فائدة.

وفي النهاية يأتي القرار النهائي باختيار البورصة المناسبة بعد موازنة جميع هذه العناصر ووضعها بعين الاعتبار، وبطبيعة الحال يختلف الوزن النسبي لكل عامل من هذه العوامل بحسب اختلاف تفضيلات واحتياجات المتداول، ولكن هناك اعتبارات أساسية لا يجب التنازل عنها عند اختيار البورصة الرقمية مثل إجراءات التأمين ومصداقية ونزاهة البورصة، وأخيرًا ضرورة تواجدها بشكل فعلي على أرض الواقع.
الجريدة الرسمية