عبد الناصر يسلم توفيق الحكيم قلادة الجمهورية

في مجلة "المجتمع العربي" عام 1959 كتب المحامي أنور أحمد، رئيس التحرير، مقالا بمناسبة منح الأديب توفيق الحكيم، الذي ولد في 9 أكتوبر 1898، وسام الجمهورية، وسلمه الوسام الرئيس جمال عبد الناصر قال فيه:

"تعرض الأديب توفيق الحكيم لحملة صحفية صاخبة، حيث اتهمه بعض الكتاب بسرقة موضوعات كتبه من كتب أجنبية، وثار أدباء آخرون من أجل توفيق الحكيم، واتهموا الجريدة التي تتهمه بالسعى إلى الإثارة الصحفية؛ لزيادة التوزيع غير عابئة بتشويه إنتاج أديب كبير يعتبر إنتاجه ثروة قومية".

وأضاف: "طلب الصحفي محمد التابعي من الأديب عباس العقاد أن يشترك فيها ليكون حكما بين المتنازعين، ونشر العقاد مقالين حكم فيهما ببراءة توفيق الحكيم من تهمة الاقتباس، تمسك الأديب توفيق الحكيم بالصمت، ومضى في طريقه يتفرج على المعركة غير مهتم".

وتابع:" قابلته ذات يوم يتهيأ لدخول حفل الثالثة بالسينما كعادته، وتحدثنا عن الحملة المسعورة، فضحك وقال: إنها جاءت بالخير والبركة إذ حاصرني الناشرون، طالبين إعادة طبع كتابي المدعى بسرقته، حتى رئيس تحرير الجريدة فرجوته أن تمضى الجريدة في حملتها، وقلت له إنني سوف أرسل قائمة بكتبي التي لا يعاد طبعها لكي ينشر أنها الأخرى مسروقة".

وأردف:" وفجأة ووسط تلك الحملة، أصدر الرئيس جمال عبد الناصر أمره بمنح الحكيم أكبر وسام في الدولة وهو وسام الجمهورية، مما كان له صدى بين أهل الأدب والفكر والفن.. وتوفيق الحكيم هو الذي أرسى قواعد المسرحية الرفيعة في الأدب العربي منذ كتب روايته الرائعة "أهل الكهف" منذ عشرينات القرن، وترجمت مسرحياته إلى معظم اللغات الأجنبية الحية، ومثل بعضها على مسارح أوروبا قبل أن تمثل بالقاهرة فحظيت بالتقدير والإعجاب".

واستطرد رئيس التحرير: "والواقع أن الحكيم قد وصل إلى هذه الذروة الفنية بعد أن أنفق سنوات شبابه في الدراسة والتحصيل والكفاح، وعرف الجوع والحرمان، وهو يتلمس طريقه في باريس، وفي ذلك يقول في كتابه "زهرة العمر":

"كنت أحيانا لا أملك من النقود غير الضرورى لأكلى بقية الشهر، وأصادف في واجهة الحانوت كتابا أو كتابين، فأدفع فيها ما معي وأتبلع طول أيامي بمرق الأرز ونقيع الشاي، كانت أيام راحتي تنفق في هياكل الفن ومتاحف التاريخ ودور الكتب والآثار، وكانت لي جلسات طويلة في ركن قهوة صغيرة آوى اليها وحيدا أفكر ست أو سبع ساعات متتالية في مسائل عويصة من مسائل الفلسفة أو قضايا الفكر.
ولكم ألحدت ثم آمنت، وضللت ثم اهتديت، ولكم كتبت ومزقت، ولكم جهدت في سبيل تلك اللذة العليا التي حسبتها غاية الإنسان التي ليست بعدها غاية.