ماشي بـ«نور الله».. يوميات «الجو» عازف الأورج الكفيف من «آداب فلسفة» إلى الأفراح الشعبية
من داخل غرفة الآلات الموسيقية بمدرسة الأمل للمكفوفين، تعلق قلب الطالب «رضا أحمد غلاب» بآلة الأورج، كانت أصابع يديه تداعب زراير الأورج بشكل يومي، وطلب من مدرس الموسيقى بالمدرسة تعليمه العزف، أيام قليلة واكتسب الطفل الصغير مهارةً كبيرةً في العزف، ويومًا بعد يوم كان تعلقه بـ"الأورج" يزداد حتى صار لا يُفارق الغرفة "كنت بلاقي نفسي في قمة السعادة وأنا قاعد وسط الآلات الموسيقية وبَتعلم العزف على الأورج كان نفسي أوصل إلى مرحلة الاحتراف وأتعلم كل النوت الموسيقية وإزاي أعملها".
يوم إجازة وحيد في الأسبوع، كان يَقضيه رضا مع أسرته في قرية "كفر العيص"، بعيدًا عن المدرسة الداخلية المتخصصة في رعاية المكفوفين بمدينة كوم حمادة بمحافظة البحيرة، كان والده ووالدته يُشجعانه على تعلم أشياء جديدة يشغل بها أوقات فراغه: "أبويا وأمي كانوا بيدعموني ولما عرفوا أني عاوز أتعلم عزف على الأورج كانا مرحبين جدا وكانا شايفين أن ده هيسليني في وقت فراغي ومش هيخليني أحس بممل طول الوقت اللي بفضله بعيد عنه واللي كان 6 أيام في الأسبوع".
بسبب تفوقه في العزف على الأورج وتعلمه لجميع استخداماته كان مدرس الموسيقى يُرشحه لتمثيل المدرسة في بعض المسابقات: "بعد ما وصلت إلى مرحلة الاحتراف في العزف، المدرسة رشحتني للمشاركة في مسابقات مدرسية مع مدارس تانية، والحمد لله كنت دايما بفوز في المسابقات دي من أول المرحلة الابتدائية مرورا بالإعدادية وأخيرا في المرحلة الثانوية".
دراسة الفلسفة كانت الخيار الأسهل لرضا بعد الحصول على الثانوية العامة: "بعد اجتيازي امتحانات الثانوية العامة وحصولي على مجموع معقول كان الالتحاق بكلية الآداب قسم الفلسفة الاختيار الأسهل، خصوصا أن الكلية قريبة من محل إقامتي وهو ما سهل عملية انتقالي من وإلى الجامعة، وخلال سنوات الجامعة الأربع لم أتوقف عن ممارسة هوايتي في العزف، وشاركت في بعض الحفلات داخل أسوار الجامعة وخارجها".
بعد فترة من تخرجه جلس رضا في البيت بلا عمل، وبعد فترة عاني الملل وقرر البحث عن وظيفة: "كان فيه مطرب من بلد جنب بلدنا يعرفني، وعرض عليا أروح أشتغل معاه في الفرقة، ولأني كنت زهقت من قعدة البيت وافقت ورحت معاه، لكن أول ما متعهد الحفلات شافني قالوا أنت جايبلي واحد أعمى، الكلمة دي جرحتني جدا، وقررت أني لازم أُثبت نفسي وأنضم للفرقة، وأخلي المتعهد يجري ورايا عشان أشتغل معاه، وبالفعل كلام المتعهد كان نقطة فاصلة في حياتي، وبعد ما سمع عزفي على الأورج طلب يتعاقد معايا فورا، وضمني لفرقة "نغم" أشهر فرقة أفراح في الوجه البحري".
صعد نجم «رضا» وسط عالم الأفراح الشعبية وأطلق عليه أصدقاؤه بالفرقة لقب "رضا الجو" لقدرته الفائقة على تغيير جو أي احتفال وفرض حالة بهجة على الحاضرين بمقطوعاته الموسيقية: "الحمد لله كل فرح أو حفلة أشارك فيها بخلي كل الناس تتبسط، وبكون أنا أكتر سعادة وأنا حاسس إني أدخلت البهجة على القلوب ورسمت الضحكة على الوشوش".
يوم عمل «الجو» في الأفراح، مختلف بحكم نشأته في القرية، فالأفراح الشعبية الريفية تختلف تمامًا عن أفراح القاهرة، يبدأ رحلته التاسعة صباحًا بركوب الـ«توك توك الملاكي» من أمام منزله لنَقله إلى موقف سيارات مدينة «المحلة» لمقابلة سيارة الفرقة والتنقل معها لمكان حفلات الزفاف رفقة العازفين: "رغم التعب الكبير اللي بيقابلني في تنقلاتي طول اليوم لكني بحس بمتعة غريبة وأنا في الشغل لغاية لما أرجع البيت بعد انتهاء الفرح".
في ظل مشغوليات "الجو" بالحفلات والأفراح التي يُحييها مع فرقته، كانت زوجته قادرة على ملء الفراغ الذي يتركه في البيت مع أولاده: "مراتي هي اللي شايلاني في البيت وهي اللي بتقوم بدور الأب والأم مع الأولاد في غيابي، ومن غيرها ماكنتش هعرف أعمل حاجة في حياتي".