رسالة السيسي المقدرة للبرلمان
أرجو ألا تمر رسالة الرئيس للبرلمان في دورة الانعقاد الجديدة مرور الكرام، فقد اعترض الرئيس على بعض مواد قانون التجارب السريرية، وهو القانون الذي أقره البرلمان بأغلبية دعم مصر، رغم اعتراض معظم خبراء الصحة والبحث العلمي بل والقامات الكبرى في الجامعات، ولكن وزارة الصحة والأغلبية البرلمانية ضربت عرض الحائط بهذه الآراء الرصينة.
ويومها خرج أحمد عماد الدين وزير الصحة آنذاك وقال في البرلمان أن هذا القانون محل اهتمام الرئيس، وإنه -أي القانون- هدية الرئيس الثانية لشعبة بعد هدية التأمين الصحي!!!
والمدهش أن رئيس البرلمان يخرج بعد وصول رسالة الرئيس ليشيد بحكمة الرئيس، وهو نفس الرجل الذي وقف بقوة المنصة ليؤد كل الآراء المعارضة وانحاز لوزير الصحة ونوابه، ثم عاد ليقول أن هذه هي السابقة الأولى في تاريخ هذا البرلمان والثانية في تاريخ المجالس النيابية، وأضاف الرجل إن مشروع القانون كان بالفعل محل جدل كبير بين لجنة الشئون الصحية، وكان مفروض أن يتم إحالته للجنة التعليم والبحث العلمي لأن ٩٧٪ من الأبحاث تجريد في الجامعات على حد قوله.
وأنه تلقى اتصالات من عمداء كلية الطب وغيرها من الكليات المعنية بالبحوث الإكلينيكية أبدوا خلالها انزعاجهم من القانون، وحاول التبرير بقولة إنه طلب من رئيس لجنة الصحة محمد العماري الاستماع لهم، ولكن كان في ظروف معينة أحالت دون ذلك، والكلام للدكتور على عبد العال.
والمدهش أنه بمراجعة مضابط الجلسات خلال مناقشة القانون نكتشف أن كل ملاحظات الرئيس على القانون حذّرت منها المناقشات وكان يتم تجاهلها بعدما أوحي وزير الصحة السابق أن الدولة تريد القانون بصيغته المرفوضة، ولهذا جاءت اعتراضات الرئيس لتكشف هؤلاء الذين يتحدثون باسم مؤسسة الرئاسة في كل كبيرة وصغيرة، ويراهنون على ثقة الناس في الرئيس ومؤسسة الرئاسة في كل كبيرة وصغيرة.
وكان أن قامت الرئاسة بعكس مزاعم هؤلاء في رسائل مهذبة تليق بمقام المؤسسة، ولكن للأسف هناك من لا يفهم أو يدعي عدم الفهم ولهذا كانت رسالة الرئيس للبرلمان هذه المرة قاطعة وحاسمة، وكان الاعتراض على سبعة مواد من مواد القانون، وهي الآن تشترط موافقة المجلس الأعلى والهيئات الرقابية والمخابرات العامة على بروتوكول البحث والمتابعة والتفتيش عليها بعد موافقة الهيئة التي يجري فيها البحث، واعترض أيضا على أن عدد ممثلين الجامعات في المجلس الأعلى أربعة فقط من أصل ١٥ عضوا، مع العلم بأن ٩٧ ٪ من الأبحاث تجري في الجامعات.
والغريب أن الأمانة العامة يتولاها رئيس الإدارة المركزية للعلوم الطبية في وزارة الصحة مع العلم إنها لا تمثل إلا جزءا بسيطا من مجمل هذه الأبحاث في مصر، أي أن وزير الصحة السابق أسند كل شيء لوزارته، ثم كان اعتراض الرئيس على تغليظ العقوبة بدون تمييز وجعلها متساوية مما يؤدي لرعب الباحثين وإعراضهم عن البحث العلمي.
واعترض أيضا على نص عدم إرسال بعض العينات للخارج خوفا عليها قائلا أن هناك أكثر من عشرة ملايين مصري بالخارج ويمكن بسهولة الحصول عليها، ثم أن هذا التصرف يتناقض مع تحفيز الجامعات على البحث وإجراء البحوث المشتركة، كما أن إرسال العينات يتيح الفحص بأجهزة لا تكون متوفرة محليا.
وهكذا نكتشف الخلل الكبير للقانون الذي صدر من عدة أشهر، والكارثة أن مشروع القانون الذي أعدته لجنة مختصة تغيرت بندوة بعد تدخل وزير الصحة الأسبق ليضع عقوبات مبالغ فيها لم تفرق بين الباحث والطبيب الذي يرتكب خطأ مهنيا، ومطالبة كل رسالة علمية أن تمر بخطوات كثيرة تليق بموظف وليس باحثا علميا، وهو ما حذرت منه قامات علمية كبيرة عند مناقشة القانون مثل أحمد عكاشة وأبو الغار ومجدي يعقوب ومحمد غنيم وقالوا أن هناك مواد معيبة وغير دستورية ويصعب تحقيقها، ولكن أحد لم يستمع لهم وأصر الوزير الأسبق على سحب الاختصاصات من الجامعات ووضعها لوزارة الصحة.
وخلاصة الأمر أن القانون كان يعني شهادة وفاة للبحث العلمي في مصر، وأيضا للباحثين، ولولا تدخل الرئيس لاستمر القانون الكارثة يعيث فسادا ودمارا لعقول مصر، ذلك ًببساطة لأن بعض كبار المسئولين يخدعون الناس ويخدعون أنفسهم ويصرون على التفكير النمطي القديم الذي آخر وأخذ من عمر هذا البلد الكثير، ولذا فإن خطوة الرئاسة مقدرة وجاءت في الوقت المناسب لتوقف هذا العبث والنفاق وتقول لبعضهم لا تتحدثوا باسم الرئاسة.