العلاج فى البيض والطماطم
أضعت بعض الوقت فى قراءة أسطر من هنا وسطور من هناك فى الصحافة والشبكة، مما كتب عن الحفلات الغنائية بمناسبة العام الجديد. ازددت علماً بدور الأزياء والفساتين والاكسسوارات وأنواع الدانتيل، وحفظت شيئاً وغابت عنى أشياء لا يعلمها إلا الراسخون فى الخياطة والتطريز.
استنتجت أن تطوراً مشهوداً حدث ويحدث ونحن لا ندرى، لقد أمست الحفلات الغنائية عروضاً للأزياء صاخبة، لم يتحدث محرر عن الكلمات أهابطة هى أم هاوية؟ لم يتطرق مراسل إلى الألحان أمراعية هى المقامات أم "المقام مات"؟ لم يقل لنا صاحب تقرير هل الأداء ناشز أم عاجز؟ كأن القاعدة هى المثل "لكل ساقطة لاقطة".
عادت بى الذاكرة إلى الحفل الذى أقامته سيدة الغناء العربى فى الأوبرا بباريس، وكتب عنه محرر لجريدة لوفيجارو الفرنسية ما لم يكتبه قلم عربى عن أم كلثوم، كان الرجل ملما بعلم الموسيقى، قاس مساحة صوتها، قراراً وجواباً، وقارنها بمساحة صوت أعجوبة الأوبرا: السوبرانو ماريا كالاس، فى حين كانت كوكب الشرق فى أواخر روائع صوتها، كان التقرير دراسة موسيقية وبحثا علمياً، ولكن بأسلوب قلم عاشق متيم، يجعل القارئ العربى تغرورق عيناه بالدموع خجلاً أمام فرنسى مفتون مسحور مجنون بحنجرة عربية لم يجد ذلك الأوروبى لها مثيلاً فى الأغنية الفرنسية، فراح إلى المقارنة بأعظم صوت فى الأوبرا.
ليتنى احتفظت بذلك النص لأترجمه نصاً للقراء تأديباً لمن يكتبون عن تصميم الأزياء وهم عن فن الموسيقى وتحليله ونقده غافلون جاهلون ذاهلون، وهؤلاء لا يدرون أنهم بهذا الانحراف يلقنون الناس أن دور "الهوت كوتور" هى التى تصنع الفنانة الخليقة بهذا اللقب، حتى ولو كان صوتها أقل من أوكتاف (الديوان ذى الثمانى درجات صوتية)، عندئذٍ يسأل الغائب الحاضر: ماذا ارتدت فلانة؟ فيقول: فستاناً من تصميم كذا، والرد: إذاً كان الحفل رائعاً.
أنظر إلى المسألة من زاوية تشويه صورة الإعلام الذى يجب أن يكون جاداً موجهاً، فيصلاً فى حده الحد بين الجد واللعب، الاستهتار فى تقويم الفنون ووضعها على المحك، بل فى السفود على رأى مارون عبود، يؤدى ولا ريب إلى انهيار منظومة القيم الفنية الذوقية والإحساس بالجمال. وليس الجمال سوى تناسب وتناسق، وتناغم وتوافق، وتماثل وتعادل، وهذه أسس فنية جمالية جذورها وأصولها فى الرياضيات والهندسة، تشويه الذوق، تشويه للذهن وإطاحة موازين العلم والعقل.
لزوم ما يلزم: عندما يهبط الفن، احضروا الحفلات ولكن فى الجيوب بيض وطماطم.
نقلاً عن الخليج الإماراتية