نسمات نصر أكتوبر.. ومحاربة الإرهاب!
كلما جاء هلال شهر أكتوبر، أشعر فيه أنه شهر الأعياد ورائحة أعظم الانتصارات العربية في العصر الحديث، هذا الإحساس لا يمكن أن يشعر به إلا من عاش وتجرع مرارة هزيمة يونيو 1967، فإذا كان البعض يعتبرها مجرد خسارة جولة في معركة تحرير فلسطين، فإن هناك من اعتبرها أنها كانت بمثابة نهاية الحلم العروبي القومي، وبدلا من الحديث عن تحرير فلسطين أصبحنا بعد الهزيمة نتحدث عن حدود 4 يونيو 67..
اختفت الشمس من سماء الوطن العربي، بدأنا نتحدث عن جمع أشلاء حلم سقط في ساعات على الرغم أن الحلم عمره بامتداد الإنسان العربي في عمق التاريخ، كانت الملايين ترى أنه قارب النجاة إلى عالم التقدم والتحضر ومواجهة السباق العالمي في كل شيء، كنا أطفالا نحلم بدخول الجيوش العربية إلى تل أبيب، فوجئنا أن الصهاينة على شاطئ القنال، وغير هذا كثير كانت أحلامنا فتحطمت في معركة من طرف واحد، والجيش المصري منها بريء، لكن خذلته قيادته العسكرية والسياسية ودفع الشعب المصري عشرات الآلاف من أبنائه شهداء في حرب لم يشاركوا فيه.
كانت قاسية تلك الأيام، أظلمت البيوت، لهذا كان انتصار أكتوبر 73 استعادة الروح والحياة والكرامة ومحو هزيمة ليس مسئولا عنها جيشنا، جيش مينا وتحتمس وصلاح الدين وعبد المنعم رياض، وسعد الدين الشاذلي، إبراهيم الرفاعي، إبراهيم عبد التواب، محمد صادق، محمد فوزي، أحمد إسماعيل وغيرهم كثيرون..
وسط الظلام واليأس لم ينمَ الجيش المصري وقيادته الجديدة الفريق محمد فوزي وزير الحربية، ومعه الفريق محمد صادق رئيسا للأركان، وبعد نكسة يونيو بأسابيع قليلة وفي الأول من يوليو 67 وقعت معركة "رأس العش" التي تعد أولى المواجهات الحقيقية مع العدو الصهيوني، عندما حاول بمدرعاته احتلال بورفؤاد، تصدت له واشتبك معها ثلاثين فردا من أبطال من الصاعقة، ودمرتها وأوقعت خسائر في الأرواح لم تخطر على خيال العدو الذي اعتقد أن الجيش المصري انتهى للأبد، ونجحت قواتنا في صد الهجوم الصهيوني، لتكون هذه الحادثة بمثابة الشرارة والرسالة الأولى للعدو أن جيش مصر لن يستسلم، وأنه سيحارب وفي خلفه شعب رفض الهزيمة في 9 و10 يونيو!
وكانت عملية ضرب التجمعات وسط سيناء وتدمير القطار الذي يحمل الذخيرة التي استولى عليها العدو في يوم 14 من يوليو ضربة موجعة للعدو، وهذا بالإضافة إلى العملية التي أحدثت ردود فعل عالمية، بحيث غيرت مفاهيم الحرب في المياه، عندما تم إغراق إيلات أكبر مدمرة للكيان الصهيوني في المياه أمام بورسعيد في 21 من أكتوبر 67 بعد أربعة أشهر فقط من نكسة 67..
ولو ذكرنا كل البطولات بعد النكسة نحتاج إلى مقالات، منها بطولات جزيرة شدوان والجزيرة الخضراء، وعملية السبت الحزين كما أطلق عليها في الكيان الصهيوني، وعمليات الأبرار خلف خطوط العدو، وتدمير ميناء إيلات بما فيه من سفن حربية في ثلاث عمليات متنوعة كل هذه المعارك وغيرها، أثبتت أن المصريين قد أثبتوا نجاحا رائعا وأن معركة التحرير قادمة لا محالة!
وفي هذه الأثناء غنى عبد الحليم حافظ "عدى النهار" و"احلف بسماها وترابها" و"سكت الكلام والبندقية اتكلمت" وغنت شادية "أم الصابرين "و"يا حبيبتي يا مصر" وغنت أم كلثوم "حق بلادك" "وإنا فدائيون "و"أصبح عندي بندقية" وغنى محمد حمام "يا بيوت السويس" وغنى محمد نوح "شدي حيلك يا بلد".
وقدمت السينما "ميرامار -شيء من الخوف-الأرض -أغنية على الممر" بجانب أفلام كوميدية تحاول رسم ابتسامة بعد النكسة، أما المسرح فقدم "النار والزيتون-الجندي المجهول -حفلة سمر من أجل 5 حزيران".. وكان في حوار للمُحاسبة وتصحيح خطأ المثقف والقيادة، وكان العمل في السد العالي يسير كما هو، وبناء المصانع وتشغيل الشباب والاستعداد ليوم تحرير الأرض شعارًا ليس له بديل، وخلال السنوات الست من يونيو 67 إلى أكتوبر73 ملحمة البطل الأول فيها الشعب المصري، الذي دفع أبناؤه يحملون السلاح وربط هو الحزام من أجل المعركة لتحرير الأرض واستعادة الكرامة ورفع اسم مصر كما كان في منذ مينا وتحتمس إلى الشاذلي والجمسي ورياض!
لنا عودة لاستكمال الحديث عن هذه الملحمة التي جرت من 45 سنة، لكن اليوم نشد على أيدي أبطالنا في سيناء في حربهم ضد الإرهاب وقوى الظلام والتخلف وهي معركة ربما أكثر شراسة مع عدو يتستر تحت عباءة الدين، وإن شاء الله جنودنا وهم خير أجناد الأرض لمنتصرون!
وتحيا مصر في عيد النصر.