وزير التعليم يطلب مليار جنيه من ميزانية «الأبنية» لاستكمال نظامه الجديد
يتقن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، تبرير الأزمات التي تعاني منها وزارته، ويجيد -بكل ما يمتلك من خبرة- إلقاء المسئولية على أطراف أخرى، مكتفيا بالحديث عن الحلول للأزمة، دون أن يحاول -ولو مرة- حل الأزمة.
«كثافة الفصول الدراسية» أزمة موسمية متكررة، من المنطقي أن يكون أي مسئول في الوزارة، على دراية كاملة بها، وأن يحاول إيجاد حل لها، غير أن الوزير تعامل معها بمنطق «المفاجأة»، بعد أيام قليلة من بدء العام الدراسي الحالي.
وزير التعليم في إطار سياسته المعتادة بـ«إبعاد الأزمات عنه»، سارع بتبرير أزمة الكثافة بتصريحات لم تكن مقنعة للرأي العام، حيث أعلن أن تلك المشكلة موروث قديم ولن يتم حلها قبل مدى زمني يتراوح من 10 إلى 15 عامًا، وهي التصريحات التي دفعت البعض للتساؤل إذا كان وزير التعليم يعلم أن أزمة الكثافات لا يمكن حلها قبل هذا المدى الزمني، فلماذا يصر على تطبيق ما يدعيه من منظومة جديدة قائمة في الأساس على وجود كثافات طلابية أقل من 40 طالبًا في الفصل، في حين أن الواقع يشير إلى وجود كثافات تبدأ من 90 إلى 120 طالبًا في المدارس الحكومية، وقد تزيد عن الرقم ذاته في بعض المدارس.
أزمة الكثافات التي دفعت الدكتور عبد العزيز قنصوة، محافظ الإسكندرية إلى البكاء عندما شاهد بعينه كثافة الفصول في مدارس عزب وقرى حى المنتزه أول، وجلعته يصرح باعتراف يدين الجميع بقوله للطلاب: «جميعنا مقصرون في حقكم.. أنتم أمل مصر ومستقبلها ولا بد من توفير كافة الأجواء المناسبة للعملية التعليمية».
كما أن قضية ارتفاع الكثافات ليست بجديدة، لا سيما أن وزارة التربية والتعليم تعاني منها منذ سنوات طويلة، وفي سبيل السعي إلى إيجاد حلول غير تقليدية لتلك الأزمة أطلقت الدولة -في عهد وزير التربية والتعليم السابق الدكتور الهلالي الشربيني- المشروع القومي لبناء المدارس بالشراكة مع القطاع الخاص، وبعد اكتمال أركان المشروع وقبل تنفيذ المرحلة الأولى منه رحل «الهلالي» عن الوزارة، وعندما تولى الدكتور طارق شوقي المسئولية، لم نسمع أي أخبار عن المشروع وتجمدت أعماله عند النقطة السابقة رغم مرور أكثر من عام ونصف العام على توليه المسئولية في فبراير عام 2017.
توقف الحديث عن مشروع «المدارس الجديدة»، حدث للعديد من المشروعات التي كانت الوزارة تعمل على إنجازها بالفعل، وتوقفت كل تلك المشروعات بسبب تحويل اهتمام الوزارة بالكامل إلى بناء ما يطلق عليه «منظومة التعليم 2»، ويبدو أنه في سبيل تحقيق طموحات الوزير ومن أجل توفير التمويل اللازم للمشروع تناسى المسئولون أمر الكثافات والمقاعد المتهالكة والفصول غير الآدمية، فلم يتم إنفاق ما يلزم عليها من أجل تخفيف حدة الأزمة، وتطبيق برنامج الحكومة في ملف إنشاء المدارس، وربما كانت وجهة النظر لدى المسئولين في وزارة «الدكتور طارق شوقي» أن إنشاء مدارس جديدة أمر ثانوي، وأن بناء مناهج النظام الجديد وغيرها من الأمور التي تحتاجها المنظومة الجديدة الأهم والأجدر بالإنفاق.
ما سبق أكدته المذكرة رقم (300/103) الصادرة من مدير عام الهيئة العامة للأبنية التعليمية اللواء يسري عبد الله سالم، إلى الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، والتي تحدثت عن طلب الوزير سحب مليار جنيه من ميزانية الهيئة لاستكمال تمويل مشروع «التعليم 2»، وكشف مصدر، لـ «فيتو»، أن المبلغ المذكور كان بغرض تمويل صفقة «التابلت» المقرر توزيعه على طلاب الصف الأول الثانوي.
وورد في ديباجة المذكرة المؤرخة في 8 سبتمبر 2018 أنها صدرت «بشأن الكتاب الوارد إلى وزير التعليم من وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري والمسجل بالوزارة برقم (11224 بتاريخ 30/ 8/ 2018) بخصوص المحادثة التليفونية مع وزير التعليم والتي تضمنت إمكانية استخدام مبلغ مليار جنيه من المدرج للهيئة العامة للأبنية التعليمية بخطة العام المالي 2018/ 2019، وطلب موافاة وزيرة التخطيط بالمشروعات المدرجة بخطة الهيئة التي سيتم الخصم عليها».
المذكرة ذاتها حملت رفض مدير الأبنية التعليمية لذلك التوجه من أجل استكمال المشروعات التي تعمل عليها الهيئة في إنشاء المدارس، وتنفيذ خطة الحكومة، حيث ورد في جزء العرض أنه: «في ضوء مستهدف برنامج الحكومة في مجال بناء المدارس والخطة الاستثمارية المعتمدة للهيئة للعام المالي 2018/ 2019، فقد سبق وتم العرض على سيادتكم -الحديث موجه لوزير التعليم- بالموقف التنفيذي والمالي للخطة الاستثمارية للهيئة، حيث تم التوضيح بأن الخطة الاستثمارية المعتمدة لا تفي بتحقيق مستهدف برنامج الحكومة وبأن المبالغ المخصصة للموازنة الحالية تم الارتباط عليها (طرح - استكمالات لمشروعات ملحة)، وكذلك لإمكانية إنهاء تنفيذ وتسليم 10 آلاف فصل جار تنفيذها والسابق طرحها في ضوء الاعتمادات التي تم إتاحتها، وهي تمثل فقط نسبة 33% من عدد الفصول المستهدفة ببرنامج الحكومة».
وأضافت المذكرة: «وحتى تتمكن الهيئة من سداد مستحقات المقاولين، لا سيما في ضوء قانون المزايدات والمناقصات الأخير، الذي ينص على محاسبة المسئول في حالة عدم توفير التمويل للأعمال التي تم طرحها، لذا رأت الهيئة عدم خصم المبلغ المطلوب من ميزانيتها، ومخاطبة وزيرة التخطيط بتدبير المبلغ المطلوب بصورة عاجلة لصالح وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني كدعم إضافي لإمكانية استكمال متطلبات منظومة تطوير التعليم قبل الجامعي، على أن تلتزم وزارة التربية والتعليم بعدم تحميل الموازنة العامة للدولة أي أعباء مالية إضافية حتى 31 مارس 2019 ولحين تدبير المبلغ المطلوب».
تجدر الإشارة هنا إلى أن «مذكرة الأبنية التعليمية» التي تكشف أن وزارة التربية والتعليم تواجه أزمة في توفير الأموال اللازمة لبناء المنظومة الجديدة، التي يتساءل أولياء الأمور عن أسباب عدم صدورها في شكل إستراتيجية مكتوبة للرأي العام إلى الآن.
كما تشير أيضا إلى أن العجز في تمويل المشروع دفع وزير التعليم ووزيرة التخطيط إلى التفكير في تدبير ما تحتاجه المنظومة الجديدة من أي بند حتى ولو على حساب بناء المدارس، رغم أن الأفكار المطروحة تحتاج إلى فصول أكثر من أجلها تطبيقها لأنها تقوم في الأساس على وجود كثافات عديدة أقل كثيرًا من الموجود حاليًا.
الأمر الثاني الذي كشفته مذكرة مدير الأبنية التعليمية أن الوزارة ممثلة في الهيئة بعد أن تنتهي من استكمال بناء الـ10 آلاف فصل المطروحة تكون قد حققت 33% فقط من برنامج الحكومة لإنشاء المدارس، وهي نسبة ضئيلة قياسًا بحجم المشكلة.
"نقلا عن العدد الورقي..."