حكاية مسنة لخصت أحلامها في دفن جثتها بقريتها (فيديو وصور)
بين دروب الحياة وفى متاهاتها.. تكثر القصص والحكايات، وتظهر مآس إنسانية تدمى القلوب وتبكى العيون.. وفيها أيضا وجوه كانت في سعة من العيش وفى لحظات أصبحت تائهة مشردة لا تجد مكانا يأويها.. والحاجة "فاطمة" البالغة من العمر 77 عاما، واحد من تلك الوجه.. كانت تعيش حياة عادية مع أسرتها، وخلال سنوات قليلة توفى الزوج، وتحولت حياتها إلى جحيم لا يطاق بعد أن طردها أهالي القرية من منزلها بسبب اتهام ابنها في جريمة قتل.. ومنذ سنوات وهى وحيدة مشردة في الشوارع.. مأساة الحاجة فاطمة تحملها السطور التالية:
تهدج صوتها بالبكاء وبكلمات تقطر حسرة وألما راحت تسرد تفاصيل مأساتها: "منذ سنوات طويلة، كنت أعيش حياة هادئة مستقرة مع زوجى وابنينا، في قرية "الحاج عمر" التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية، وبعد وفاة زوجى تغيرت الأحوال وتبدلت الأوضاع، وأصبحنا نعانى ظروفا معيشية صعبة، فنحن لا نملك من متاع الدنيا سوى بيت صغير، والمعاش قليل لا يكفى مصاريف الحياة العادية، ولا ثمن علاج مجموعة من الأمراض تكالبت على جسدى".. توقفت العجوز عن الكلمات للحظات مسحت خلالها دمعة انحدرت على خديها واستطردت: "ذات يوم شعرت بإعياء شديد وآلام مبرحة في صدرى، شخصها الأطباء بقصور ومشكلات في الأوعية الدموية المرتبطة بالقلب، ويتطلب العلاج تركيب دعامة عن طريق القسطرة، وهى عملية تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لا أملك منها جنيها واحدا.. نصحنى البعض بالتوجه إلى معهد القلب في إمبابة، وإدراج اسمى في كشوف الانتظار لإجراء العملية فيه على نفقة الدولة عندما يحين دوري".
طأطأت الحاجة فاطمة رأسها إلى الأرض بعد أن غلبها البكاء وعجزت عن الكلام.. مرت دقائق قبل أن تتمالك نفسها وواصلت سرد حكايتها: "بعد عدة أيام قضيتها في القاهرة لإجراء الفحوصات، عدت إلى قريتى بالشرقية لأفاجأ بقفل حديدى ضخم على باب منزلى وحوله اصطف عدد كبير من رجال الشرطة وأهالي القرية.. سألت عما حدث، فأخبرونى بأن ابنى الشاب متهم بقتل طفلة من أبناء الجيران.. وقعت الكلمات على مسامعى كالصاعقة، وازداد قلبى وجعا على وجعه.. حاولت الدفاع عن نجلى وأكدت للجميع أنه لا يمكن أن يرتكب مثل هذه الجريمة النكراء، ولكن الجميع لم يسمعوا لى واقتادوه إلى الحجز تمهيدا لمحاكمته.. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل منعنى أهالي القرية وجيرانى من دخول منزلى، وطالبونى بمغادرة المنطقة كلها، حتى لا تقع مشكلات بينى وبين أهل الطفلة القتيلة.. رجوتهم كثيرا.. توسلت إليهم.. قبلت أيديهم، كى يتركوننى أعيش في منزلى الذي قضيت فيه عشرات السنين، وأكدت لهم أننى لا أعرف احدا غيرهم وليس لى مأوى سوى منزلى.. أصموا آذانهم وتحجرت قلوبهم ولم يراعوا كبر سنى ووهن صحتى، وازدادوا إصرارا على طردى".
"وجدت نفسى مشردة في الشارع لا أجد مكانا يأوينى".. هكذا تستكمل الحاجة فاطمة حكايتها، موضحة أن بعض الأهالي رق لحالها وقدم لها يد العون، إلا انها ظلت تتنقل من مكان إلى مكان، إلى أن هجرت الشرقية كاملة وانتقلت إلى القاهرة، وبدأت رحلة البحث عن مكان يأويها، إلى أن التقت ببعض أصحاب الخير، وساعدوها في إيجاد مأوى لها.. "أهل الخير كتير وقفوا جنبى لعند لما لقيت مكان انام فيه، هو صحيح متواضع، بس أحسن من النوم في الشارع".. عادت العجوز السبعينية إلى البكاء المرير مرة أخرى وهى تقول: "بقالى 5 سنين خارج بلدى.. متشردة في الشوارع.. نفسى أرجع بيتى وأموت على فرشتى.. لو ابنى غلط يتحاسب وياخد جزاءه، مع العلم إن المحكمة لسة مقلتش كلمتها النهائية ويمكن تظهر براءته".