حكاية فتاة أصبحت أشهر ديلر في السلام.. «داليا» تشبهت بالرجال للاختفاء من رجال الأمن.. اتخذت من الاتجار في الترامادول مهنة لها.. جمعت ربع مليون جنيه في سنتين.. والمحكمة تحبسها 3 سنوات
كانت عقارب الساعة تتجه نحو الرابعة عصرا، عندها بدأت محكمة شمال القاهرة تخف من أنين ضجيجها، وتتخلص من زحامها اللامتناهي يوميا، وتتبدد معه سحائب دخان السجائر المتصاعد يمينا ويسارا في جنباتها، هنا لمحنا سيدة في نهاية عقدها الثالث من العمر ترتدي ملابس السجن البيضاء، وتصبغ شعرها باللون الأصفر المعتاد، وتمسك بيدها اليسرى داخل قفص الاتهام سيجارة تتصاعد معها روحها كلما تنفستها، وقد نالت قسطا لا بأس به من الجمال، فرغم أن لها صوت تشعر للوهلة الأولى أنه لرجل، فإن ملامحها الأنثوية لا توحي بذلك.
في البداية ظننا أنها متهمة في قضية تبديد أو شيك دون رصيد، لكن باقترابنا منها وسؤالها "بأي ذنب وُضعت هنا وارتدت هذه الملابس؟"، ردت بسؤال "من أنتم؟"، وعندما علمت بهويتنا، ضحكت ضحكة شديدة وبصوت عالي وجهور قالت: "أنا أشهر ديلر في منطقة السلام.. مين في السلام ميعرفش داليا ترامادول!".
بدأت حدة صوتها تنخفض، وراحت تسرد قصة حياتها، فقالت: "أنا بشتغل في الشعبي يا باشا، مش كبيرة، شكلي مقبول، بس حظي في الزواج قليل، ومفيش فلوس نعيش كويس، هو فيه نعيش زي باقي الناس، لكن أنا طموحي كان أكبر"، بهذه العبارات بدات حديثها وقد أشعلت سيجارتها الثانية.
نظرت إلى منصة المحكمة وابتسمت، وبعدها استكملت حديثها: "أنا كنت بعمل على ناصية شاي قبل أن أتجه لتجارة الترامادول، إلا أنني كامرأة لم يمر يوما إلا واتعرض فيه لمضايقات من الزبائن، فكوني سيدة تعمل على ناصية شاي، يظنها الرجال أنها سلعة وليس عاملة، وأنهم يستطيعون شراءها بالمال، فطالما تعرضت لكلمات جارحة لا تقوى على احتمالها، وطالما عرض عليها إتيان أفعال تخجل أن تتحدث عنها مقابل المال".
الاتجاه للمخدرات
وذات يوم كانت «داليا» تجلس مع أحد الشباب المعروف عنه أنه «ديلر»، وقصت عليه ما تشاهده يوميا من الشباب، فاقترح عليها أن تترك ناصية الشاي وتعمل معه في تجارة الأقراص المخدرة، في البداية رفضت وخافت "خفت من الحكومة.. عايزة أعيش في سلام"، إلا أنه في اليوم التالي لم تتحمل نظرات الرجال لها، ولم تسلم كرامتها من أحاديثهم، وهنا أمسكت بهاتفها المحمول وطلبت صديقها "الديلر"، معلنة موافقتها على العمل معه، لتبدأ رحلة حياتها مع تجارة المخدرات.
يوما بعد يوم، غيرت "داليا"، الفتاة المتوسطة الجمال، شكلها وأصبحت تضخم صوتها إلى أن اعتادت عليه جهورا كصوت الرجال، حتى تخيف زبائنها وتنتقم لما حدث لها سابقا منهم، وبعدها أصبحت أهم وأخطر "ديلر" في المنطقة، يعرفها جميع مرتادي الصنف وطالبي الكيف بـ"داليا ديلر"، هكذا أصبح لقبها واكتسبت شهرتها، فتوسعت تجارتها غير المشروعة وازداد عدد زبائنها، وأصبحت غير مقتصرة على منطقة السلام، بل عرفتها شرق القاهرة بأكملها، واستطاعت جني أموال طائلة.
بنبرة ندم قالت المتهمة: «بس الفلوس الحرام بتروح بسرعة، معملتش حاجة غير شوية دهب اشتريتهم ولبستهم وأهي الشرطة خدتهم في الأمانات، حتى ملحقتش اتهنى بيهم، سنتين بشتغل ديلر، معملتش ربع مليون على بعضه".
وتابعت: «سنتين بشتغل مدوخة الشرطة، مقدرتش تكشفني، كنت بالنهار ست وبالليل راجل، ارتدي مثلهم وأتحدث بطريقتهم حتى يخاف مني متعاطي المخدرات، وأختفى من الشرطة، فبدأ الناس يعملوا لى ألف حساب، وأصبح اسم "داليا ديلر " محل احترام من المنطقة جميعها، حتى جاء اليوم الموعود، فلكل شيء نهاية كما يقولون.
ليلة السقوط
وعن كيفية القبض عليها، قالت: «في تمام الواحدة بعد منتصف الليل، ذهبت إلى وكري وهو مكان مظلم في منطقة خالية يعرفها زبائني جيدا، إلا أنني قبل أن أصل كانت الشرطة قد وصلت، لأول مرة الشرطة تعمل دورية في المكان ده فلمحتني واقفة، وقد اشتبهت بي وظنت انى آداب في البداية، واقتربوا مني، وشعرت وقتها وكأن الدنيا قد توقفت، وشعرت بقيء شديد وغثيان من شدة الخوف، وقلت ها هي نهايتك أمامك يا داليا، سيلتف حبل المشنقة حول رقبتك ولن ينقذك أحد، وبالفعل كتبت هذه الدورية كلمة النهاية لقصتي التي استمرت عامين، فنزل أمين الشرطة وقال لي ايه اللى موقفك هنا في وقت متأخر كده، فلم استطع الاجابة من شدة الخوف، فقال وايه الشنطة اللى معاكي دي هاتيها، فرفضت وتشبثت بها، فجذبها بالقوة وفتشها فوجد بها ٤٠٠ قرص ترامادول».
نادي أمين الشرطة على الضابط وقال «معاها ترامادول يا باشا»، فقال له «هاتها»، موضحة: «ألبسوني الكلابشات وأركبوني بوكس الشرطة، وساروا بي حيث القسم وأثناء الطريق مر شريط حياتي امامي، فلولا الفقر ومضايقات الرجال والناس ما كنت تحولت إلى داليا ديلر".
وأخيرا، أسدلت المحكمة الستار على قصة «داليا» بإصدارها حكما بحبسها ٣ سنوات وتغريمها١٠٠ ألف جنيه.