رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا خلقَ اللهُ العربَ؟


عندما تطالعُ خبرًا يقولُ: إنَّ دولةً عربيةً تعرضُ حذاءً ذهبيًا للبيع نظير مبلغ "17 مليون دولار/ 289 مليون جنيه مصرى"، فمن المؤكدِ أنك سوفَ تكونُ مُرشحًا بقوةٍ للانضمام إلى قوائمِ مرضى الضغطِ العالى، وربما تتفاعلُ حالتُك وتصبحُ زائرًا لإحدى العياداتِ النفسية، أو تزدادُ حالتُك سوءًا وتكونُ نزيلًا بأحد عنابر مستشفى الأمراض العقلية.


خبرُ الحذاء الذهبى المليونى، بكلِّ أسفٍ، ليس سابقة، فقد سبقتْه خلالَ السنواتِ الماضيةِ أخبارٌ مُشابهة، وسوفَ تتبعه أيضًا أخبارٌ مشابهةٌ، حتى تقومَ الساعةُ، أو تنفدَ ثرواتُ العرب، أيُّهما أقربُ.. عندما لقيتْ الأميرة "ديانا" مصرعَها في حادث سيرٍ قبلَ 21 عامًا، عرض ثرىٌّ "فلسطينىٌّ" شراءَ السيَّارةِ "المُهشَّمة" نظير مليون دولار، ولم يفكرْ في توجيهِ ملايينهِ إلى أهلِه في فلسطينَ.

وبعدَ خبر الحذاء أيضًا.. تناقلتْ وكالات الأنباءِ خبرًا من إحدى الدول العربيةِ عن "المهر المليونىِّ" الذي تمَّ دفعُه لتزويج "جمل" من "ناقة"، حيثُ بلغَ المهرُ "16 مليون ريـال/ 39 مليون جنيه مصري"!! إذن ليسَ الأمرُ جديدًا على "أمة العرب" التي يعانى 15% من سكانها "على الأقل" من "الفقر المُدقع" بحسبِ تقريرٍ رسمىٍّ حديثٍ صادر عنْ مُنظمةِ الأمم المُتحدة، وهذهِ النسبةُ مُرشحةٌ للزيادة دومًا.

وبطبيعةِ الحال.. لا يمرُّ يومٌ دونَ أنْ تطالعَنا وسائلُ الإعلامِ المُختلفةُ بأخبارٍ وتقاريرَ تعكسُ مظاهرَ السفهِ والبذَخ والتبذير منْ جانب "مليارديرات العرب"، فيما لا طائلَ منْ ورائِه، هذا يدفعُ عدةَ ملايينَ منْ الدولارات لـ "ممثلةٍ مُتقاعدة" ويمنحُها طائرةً خاصةً، ليتزوجَها عدة أشهر، وآخرُ لا يمانعُ من دفعِ مليون دولار لقضاءِ "ليلة مُحرَّمة" في أحضانِ "عاهرةٍ غربيةٍ"، فضلًا عن ملايين الدولارات التي يتم "حرقُها" على مدى الساعةِ، في "صالات القمار".

ما يفعله بعضُ الأثرياء العرب بأموالهم، يُشعرُك بأنهمْ قومٌ بلا عقولٍ.. قلوبُهم تخاصمُ النُّصحَ المُقدَّسَ، في جميع الكُتب السماوية، التي تنهى عن التبذير والسفه والبذخ، وضمائرُهم تخاصمُ الإنسانيةَ التي ترفضُ أنْ تتصرفَ في أموالك على هذا "النحو الشيطانى"، تاركًا فقراءَ لا يجدونَ ما يملأونَ به أجوافَهم، ومرضى لا يحوزونَ ما يدفعون به أسقامَهم، وعُراةً يفتقرونَ إلى ما يسترونَ به أجسادَهم، فضلًا عمَّنْ يعيشون في ساحاتِ المعاركِ والحروبِ والترويع في الدول العربية، وما أكثرَهم وأكثرَها!! ولا ينبغى أنْ يقولَ قائلٌ: "هذه أموالُهم.. هم أحرارٌ فيها"، فهذا قولٌ فاسدٌ، لا يرددُه إلا فاسدُ الضميرِ والعقلِ والقلبِ.

هناك في "الغرب"، الذي نصمُهُ بالكفر والإلحادِ والزندقةِ، لا يفعلونَ ذلكَ أبدًا.. مالكُ شركة مايكروسوفت "بيل جيتس" يُخصصُ مُعظمَ ثروتِه للإنفاق في خدمةِ الإنسانيةِ على نطاقٍ واسعٍ بالعالم دونَ النظر إلى الدينِ أو العِرق أو السياسةِ.. وفى الوقتِ الذي يُهدرُ فيه سفهاءُ العربِ ملايينَهم على أجساد العرايا وطاولاتِ القمار.. فإن "بيل جيتس" خصَّصَ 95% من إجمالى ثروتِه على الإنفاق في وجوهِ الخير.

الأمرُ لا يقتصرُ على صاحبِ "مايكروسوفت" وحدَه، بلْ إنَّ القائمةَ تضمُّ مشاهيرَ العالمِ في الفنّ والكرة والبزنس وغيرِهم، ومن بينهم سيداتٌ "إنجلينا جولى نموذجًا"، وجميعُهم لم يطالعوا الآياتِ القرآنية والأحاديثَ النبوية التي تنهى عن الإسراف وتضييع المال فيما لا جدوى منه، والتي تأمرُ بالعطفِ على الفقراءِ والمُحتاجين والمعدومين والمرضى والمُروَّعينَ، ومَنْ على شاكلتِهم ممنْ ابتلاهم اللهُ.

ما يفعلُه سفهاءُ العربِ بأموالِهم وأموالِ شعوبِهم جعلَهم "أضحوكة ومسخرة" للدولِ الغربية، ويبدو هذا في حالةِ التلاسُن والتحرُّش المُستمرة بينَ بعض الرؤساء من الجانبين، وهى الحالةُ التي يمكنُ اختصارُها في أحدِ مشاهد الفنان الكوميدى الراحل "عبد الفتاح القصرى"، في فيلم: "لو كنت غنى"، عندما "نكش" شعره، وظلَّ يرددُ: "كتاكيت.. كتاكيت"، بهدف "تنفيض" جيوب لصٍ أراد النصبَ عليه والاستيلاءَ على مالِهِ.. ليبقى السؤالُ الوجودىُّ الذي يطرحُ نفسَه دائمًا: لماذا خلقَ اللهُ العربَ؟
الجريدة الرسمية