النحات عصام درويش: حازم الببلاوي رفض مشروع تمثال الشيخ زايد «عشان بعض الزعماء هيزعلوا»
- تمثال فاتن حمامة جاهز بشكل نهائي.. ويتوقف تحضير المكان المخصص بالأوبرا
- ربنا هو المبدع الأعظم.. وأحاول وضع وجهة نظري وشخصيتي فيما أجسده
- يجب أن تبنى أعمال الأسلوب المجرد على وعي.. وهناك فنانين بـ«يستسهلوا»
- النحت في مصر يتطور بشكل كبير.. وهناك «هجمة إيجابية» يجب دعمها
- «الفنون التشكيلية» مهتم ويتابع تطورات تمثال فاتن حمامة بشكل جيد
- جسدت الحضور القوى للعندليب مصبوغا ببعض الرومانسية في هيئته
- أفضل استخدام البرونز والجرانيت لتحقيقهم قيمة النحت وهي الوجود والبقاء
- فاروق حسني نموذج للمبدع واستفاد منه الكثيرون في مجال الألوان وأسلوبه في بناء لوحاته
- إقامة المعرض العام كل عامين أمر جيد.. مع فتح منافذ كثيرة لشباب الفنانين
تماثيل تحاكي الحقيقة، وأعمال تأسرك فور مشاهدتها، عالم مختلف من الإبداع الحسي والمادي، جسد العديد من الرموز المصرية، والعربية، كما أسندت إليه الكثير من المهام الصعبة والمعقدة، ليجتازها مثبتا مع مرور السنين حجم وثقل موهبته الفنية الفريدة.
النحات عصام درويش، أحد رموز الحركة الفنية التشكيلية في مصر والوطن العربي، وممن حظيت جعبتهم بالكثير من الخبايا، وحصدت أعمالهم الكثير من النجاحات، وحققت شهرة عالمية، حاورته «فيتو»، ليكشف الكثير من أسرار تجربته وعلاقته بالعديد من السياسيين، والمثقفين، طوال رحلته الفنية، وإليك نص الحوار:
- تميل في أعمالك وتتخذ من الاتجاه الواقعي منهاجا لك في الكثير منها.. ما سر اختيارك لهذا اللون بالتحديد؟
ربنا هو المبدع الأعظم.. أرى دائما صنع الله لمخلوقاته، وأحاول أعمل حاجة تشبهها وأضع وجهة نظري ورؤيتي فيها، سواء كانت أعمالا تشخيصية أو غيرها.
أحاول عدة مرات، أن أجسد واقع الكون وعالمه، مع وضع تصوري وإبراز شخصيتي وإحساسي بالعمل، كل نحات يختار بإحساسه المختلف عن الآخر الزاوية التي تلمسه، وتجمعه مع ما يصنع لإظهارها.
- إذن ما رأيك في الاتجاه المجرد البعيد نسبيا عن واقع الأشياء.. والموجود في الوقت الحالي؟
دعني أصارحك.. الاتجاه المجرد أحد أهم اتجاهات الفن بشكل عام والنحت بصورة خاصة في الوقت المعاصر، لكن دائما أقول إنه لابد من أن يتبنى الفنان الأسلوب المجرد في أعماله، وأن يكون مدركا بشكل كبير بالواقع والطبيعة، وألا يهملهما في فنه.
- من وجهة نظرك.. هل هناك فنانين ينتهجون الأسلوب المجرد دون وعي؟
بالتأكيد تلك الأمثال موجودة، كما أن هناك أناس يعملون بمنطق الاستسهال، لكن ذلك يكشف للمتخصص الواعي بفن النحت، أن تناول الموضوع محل التجسيد كان من دون عمق أو فهم.
- ما رأيك في الحالة العامة لفن النحت وسالكي ذلك المجال في مصر حاليا؟
النحت في مصر يتطور بشكل كبير، بقى في «هجمة» على ذلك الفن حاليا، هذه ظاهرة إيجابية لابد من دعمها.
كما يعني ذلك أيضا، أنك ستجد مستويات متفاوتة في الجمال والإبداع والجودة، لكن الجمهور عند رؤيته للكثير من تلك الأعمال، وتحتك بالأفكار الجيدة والسيئة، يستطيعون بمرور الوقت أن يفرقوا بين النقيضين، لكن إذا غاب ذلك الفن فلن تستطيع أن تحكم لأنك لم ترى.
- لماذا رفضت طلب محافظ بورسعيد بعمل تمثال لعبد المنعم رياض بدلا من التالف بالمحافظة أثناء محاولة نقله؟
في الحقيقة كنت مرتبطا بعدة أمور والتزامات أخرى حينها، حدث بالفعل أن محافظ بورسعيد كلمني وطلب مني أجسد عبد المنعم رياض، لكني اعتذرت له حينها وتقبل ذلك ببساطة، غير أني كنت قد صنعت بورتريه آخر بالمحافظة نفسها لسعد زغلول.
- ما كواليس اتفاقك مع الدكتور الراحل محمد عبد الوهاب لتجسيد فاتن حمامة.. وكم استغرق تنفيذه؟
في الحقيقة الراحل محمد عبد الوهاب أرمل الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، كان مهتما للغاية بتقديم شيء مميز لها، وبالفعل بدأ الاتفاق بيننا، وبالتعاون مع هشام شريف وزير التنمية المحلية السابق، والفنان إيهاب اللبان مدير قصر عائشة فهمي الحالي، سعينا جاهدين لتذليل أي عوائق من الناحية المادية، وقدمنا الدعم لمحمد عبد الوهاب واتفقنا سويا على خروج المشروع في أبهى صورة، والتكاليف المادية تحملها هو بشكل كامل، ونحت التمثال استغرق 3 شهور متواصلة، وشهرين لسباكته، ليخرج المشروع بعد 5 أشهر تقريبا.
- ما العوائق التي تقف وراء عدم خروج التمثال للنور حتى الآن؟
التمثال جاهز بشكل نهائي، فقط يتوقف تحضير المكان المخصص له بالأوبرا لاستقباله، كانت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة قد وافقت، وكلفت مسئولي الأوبرا بتجهيز المكان، كما أنه إحقاقا للحق فإن قطاع الفنون التشكيلية يحاول جاهدا تحريك ومتابعة الموضوع، وما وصلني حتى الآن هو أنهم على وشك الانتهاء.
- على الرغم من نحافة جسد العندليب عبد الحليم حافظ إلا أنك استخدمت مواد ثقيلة وقوية أظهرته بصورة أضخم قليلا.. ما سبب ذلك؟
ببساطة لأني أردت من تمثال عبد الحليم حافظ، تجسيد حضوره القوي، لذلك اخترت أكثر المراحل اكتمالا لقوته وفترة شدته لأجسده من خلالها، لأني أحاول وأجتهد في عدم الاقتصار بالوصول للشبه فقط ولكن محاولة تجسيد الحالة العامة للشخصية.
وأتبع دائما تصرفات وسلوكيات نحت نابعة وخارجة من الشخصية، أهم شيء أقوم بمراعاته أن ما اتخذته من حلول نحتيه لا تضيع وتغير الشخصية المجسدة، لذلك جسدت عبد الحليم في فترة قوية الشخصية مصبوغة ببعض الرومانسية في هيئته.
- من من نجوم الزمن الجميل لم تجسده بعد وتتمنى أن تقدم شيئا له.. وهل من الممكن أن تقيم معرضا يضم تلك الأعمال؟
قدمت فترة الخمسينيات، والستينيات بالقرن الماضي، العديد من الرواد والشخصيات التي أثرت الحياة الفنية والثقافية والاجتماعية، وتعد مرحلة ازدهار في تاريخ مصر، وهناك مبدعون كثر في تلك الفترة قمت بتجسيدهم، كعبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، وفاتن حمامة، وليلى مراد بدأت في تجسيدها، حتى بدأت التفكير جديا بإقامة معرض لهؤلاء النجوم، لكن استجدت أوضاع في تلك الفترة عطلت تنفيذ الفكرة، وجميع الشخصيات من الممكن الإجتهاد وتجسيدها، لكن يكون الفارق في مدى حبك وقرب تلك الشخصية من قلبك.
- ما بين الرفض في بادئ الأمر وقبوله.. الكثير من الكواليس لتمثال الشيخ زايد.. حدثنا عن تفاصيل الاتفاق وكيف تم تنفيذه؟
البداية عندما حدثني رجل الأعمال محمود الشناوي، كان يقدر الشيخ زايد كثيرا، في الحقيقة انبهرت بحماسه الشديد للفكرة، كان في عام 2013، بعدها تم عرض الفكرة على المهندس إبراهيم محلب، وزير الإسكان حينها، والذي رحب كثيرا، لكن أكد ضرورة عرض المشروع على مجلس الوزراء، بالفعل تم عرض المشروع على الدكتور حازم الببلاوي، رئيس الوزراء حينها، لكنه كان مترددا، لأن البلاد كانت تمر بفترة حساسة، كما أنه أخبرنا أن بعض الشخصيات والزعماء العرب القريبين من مصر، «هيزعلوا».
حتى تولى المهندس إبراهيم محلب، رئاسة الوزراء، كما كان المهندس مصطفى مدبولي، وزيرا للإسكان حينها، وفعلا حدثني بعدها، وقال لي «لو المشروع مخلصش في 3 / 4 شهور مش ضامن إنه يكمل»، معللا حينها بالتغيرات الوزارية المتتالية.
وبالفعل بدأت تنفيذه، استغرق نحته في شهر واحد، وشهرين لسباكته بالبرونز، في مسبك الألوسي بأبو رواش، استهلك مجهودا جبارا حتى يتم إنجازه في ذلك الوقت الصغير، حيث أن التمثال بقاعدته من الأرض يبلغ 15 مترا، أما التمثال نفسه فيبلغ 7 أمتار و35 سم، كأكبر تمثال يجسد شخصا في الوطن العربي.
- ما هو سر اهتمامك وتفضيلك لمادتي البرونز والجرانيت في معظم أعمالك؟
ببساطة.. لأن الوجود قيمة من قيم النحت الأساسية، والتي تجعله دائما مفضل على بقية الفنون في مسألة بقاءه تحديدا، لا أتحدث بعنصرية، لكن بصورة أوضح لأن الفنون الأخرى بها شيئا من الافتراضية، «الرسم، الموسيقى»، وغيرهم.
أما فن النحت، فأنت تتحدث على جسم مادي ملموس، وجوده وبقائه لأطول فترة ممكنة، هما من صنعا مكانته المميزة بين الفنون، لذلك فإن المواد التي تعطي اللمسة الخاصة، وهي «البقاء»، يجب احترامهما لأنها تضفي الميزة عليه، أما بقية الخامات فتكون في كثير من الأحيان لعدم جودتها وقدرتها على البقاء هادرة لحق النحت.
- دائما يقال أن قيمة النحات من قيمة الأعمال التي يجسدها وليست المادة التي يستخدمها.. ما رأيك في ذلك؟
دعني أصارحك، النحت قيمته الحقيقية في أن تصنع بمادة قوية شيئا جيدا، إنما من الممكن أن تقوم بتجسيد ما يخطر ببالك بأي مادة، وفقا لما يتسير إليك ماديا في وقتها، ولا يجب الاستسلام أبدا والوقوف على صناعة التماثيل بمواد ثمينة، وجعلها حجة في عدم تنفيذ ما يجول بخاطر الفنان من أفكار ورؤى، «سيب عملك جبس»، وحينما تتوفر لك فرصة لصناعته بمواد ثمينة نفذ ذلك.
- ما أهم ما يجب توافره للنحات.. وما أبرز ما تحتاجه هذه المهنة؟
أولا لا يمكن إنكار أهمية الجانب المادي، بالإضافة إلى مكان مخصص للعمل فقط، كما أن اختيار المادة المستخدمة لا يقل أهمية عن العنصرين الأولين، وعلى جانب آخر يجب أن تختلف طريقة وأسلوب رؤية النحات للأشياء والطبيعة من حوله، مولع بتفاصيل الأشياء، كما يجب أن تكون جميع مخلوقات الطبيعة محور بحثه، وفكره.
-بماذا تنصح النحاتين الشباب في بداية طريقهم في هذا المجال؟
الصبر، بالإضافة إلى العمل كثيرا، ولا يقف عن الممارسة بأي أدوات وأي مواد متاحة ومتوفرة له، كما أنه لا يجب أن يشغل باله بأن يصل ويحقق كل ما يتمناه منذ أول الطريق، ومن الطبيعي أن جميعنا يحب أن يصل إلى هدفه، وأن يكون أفضل الناس لكن «لا يكون هذا هدفه الأول والأخير.. اشتغل للمجال ولا تقف… وهو سيمنحك ما تريده لكن لاحقا».
-جسدت فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق وأنت من أشد المعجبين بشخصيته.. احكي لنا تلك التجربة وكم استغرقت صناعة تمثاله؟
دعني أصارحك.. من وجهة نظري فاروق حسني نموذج للشخص المبدع، بل أن عملية الإبداع، والجمال والثقافة، دائما في تفكيره، يشغله عملية الإبداع، كما أن هدفه القيمة وليس الـ«شو»، كما أن هيئته وشخصيته تخرج تمثالا رائعا، والبداية عندما طلبت مني المؤسسة التي يملكها والتي تشرف على متحفه الخاص، في عام 2015، أن أصنع له تمثالا يوضع في مدخل متحفه، وافقت على الفور، واستغرق العمل 6 أشهر، بطول مترين و20 سنتيمتر.
- ذكرت في عدة مرات أن فاروق حسني أثر في أجيال من الفنانين المصريين.. كيف ذلك؟
أولا لأنه يمتاز بذوقه الرائع وأعماله المجردة، والتي يبحث فيها دائما عن قيمة اللون والخط والتجريد المطلق، من أفضل فناني العالم في مجال التجريد، كما استفاد منه الكثير من المختصين في مجال الألوان، وأسلوبه في بناء لوحاته، والمجموعات اللونية المختلفة التي كان يستخدمها، ويستطيع المزج بينهما بصورة سلسلة لا تلمس فيها غرابة أو نقص.
- جسدت الكثير من الرموز والشخصيات المصرية في جميع المجالات.. ما العمل الأقرب لقلبك والذي تختصه بمكانة مختلفة عن غيره؟
بالتأكيد تمثال الراحل صالح سليم في النادي الأهلي، كان أول تجربة جماهيرية لي، كما أنه كان يعد منافسة شرسة مع فنانين كبار، أضف لذلك أني أهلاوي ووالدي كان أهلاويا متعصبا أيضا.
- هل من الممكن أن تجسد الكابتن محمود الخطيب في يوما ما؟
الخطيب لاعب معجزة، جعل أجيالا تحب كرة القدم لمجرد رؤيته في الملعب، شخصية مبدعة «الجميع في كفة وهو في كفة أخرى»، إذا عرض علي تجسيده «هعمله فورا».
- ما رأيك في عودة إقامة المعرض العام للفنانين كل عامين؟
أفضل بالتأكيد، سيعطي فرصة كافية للاستعداد له، ويجب أن يكون الاشتراك به بدعوات، على أن يتم زيادة عدد المعارض النوعية طوال العام، وفتح العديد من المنافذ للنحاتين الشباب، ليعرضوا أعمالهم.