الحقيقة عن مصر التي كانت «أجمل من باريس»!
كانت نسبة المعدمين -المعدمين وليس محدودي الدخل أو الفقراء- من سكان الريف عام 1937 76% وبلغت نسبتهم 80% من جملة السكان عام 1952 أي عند قيام الثورة.. وفي مارس 1932 كان أجر العامل يتـــراوح بيــن 7-12 قرشـــا بينما أجر العامل الفني كان يتراوح بين 20-30 قرشــا.. وأجـر العـامـل الحرفي بين 6-8 قروش.. وبلغ أجر الحدث خمسة قروش في الأسبوع!
أما عن كيفية توزيع الدخل القومي، فكان 61 % منه يذهــب إلى الرأسماليين وكبار الملاك.. فقـد قـدر الدخل القومي عام 1954 بمبلغ 502 مليون جنيه ذهب.. منه ما يزيد على 308 ملايين جنيه على شكل إيجارات وأرباح وفوائد.. بينما نجد متوسط أجر العامل الزراعي في العام لا يزيد على أربعة عشر جنيها وفق إحصاءات 1950!!
وإذا أخذنا في الاعتبار ارتفاع تكاليف المعيشة (التضخم) لكان الأجر الحقيقي للعامل الزراعي لا يتجاوز ثلاثة جنيهات في العام.. كما أن متوسط الأجر السنوي للعامل الصناعي لا يزيد على خمسة وثلاثين جنيه أي ثمانية جنيهات أجرا حقيقيا في العام الواحد!
في الوقت الذي ارتفعت فيه الأرباح الموزعة في الشركات المساهمة في مصر من 7.5 ملايين جنيه عام 1942 إلى قرابة 20 مليونا في عام 1946 ذهب أغلبها إلى جيوب الرأسماليين الأجانب وشركائهم الصغار من المصريين!
الأرقام السابقة بالكامل للمؤرخ المصري الراحل الدكتور رءوف عباس نقلناها بتصرف بسيط جدا من كتابه "الحركة الوطنية في مصر 1918 ـ 1952 ".. والمصادر نذكرها ليس فقط لمتطلبات الأمانة المهنية.. وليس لأنه حق مؤلفيها ممن بذلوا جهدا أيضًا، إنما ليتعلم البعض طريقة الكلام في التاريخ.. بعد أن انتشرت حواديت قبل النوم وأحاديث المصاطب من بعض مدعي الإعلام والتاريخ!
هذا كان حال مصر قبل الثورة في جزء بسيط من الأرقام.. أما أرقام وإحصائيات الأمراض والعلل التي أصابت شعبنا حتى بلغت ذروتها بثلاث ضربات موجعة من الكوليرا أودت بحياة عشرات الألوف.. وكلها ثابتة تاريخيا كتبناها ذات مرة.. ومع ذلك تجد بعض المغفلين ممن يصدقون بعض النصابين- الجماعة الإرهابية وأتباعها- من أن حال مصر قبل الثورة أفضل من بعدها، سعيًا إلى التربص بالجيش العظيم الذي غير أبناؤه تاريخ بلدهم والعالم.. ويقومون بتصوير المناطق الخاصة بالأسرة الحاكمة والأجانب والأثرياء ويكذبون ويقولون للناس هذا حال مصر قبل الثورة..
دون أن يذكر الأرقام والإحصائيات ودون نقل صورة حقيقية ليس لأحوال ملايين المعدمين في الريف والقرى والمحافظات الأخرى فحسب بل في الأحياء الشعبية في القاهرة نفسها التي- ولله الحمد ولحظهم التعيس- سجلتها كاملة كاميرات السينما التسجيلي منها والروائي رأيناها في أفلام الأربعينيات، ورأينا الحارة المصرية التي يصفونها زورا أنها أجمل من باريس رغم أنها بشرف أولادها وسكانها من بسطاء المصريين أغلى وأطهر ألف مرة من كل قصور العالم!