ثقافة الهبل على الشيطنة
فيما تنصب مطالب الإصلاح على الحكومات يوميا قد تبدو مطالبة الشعوب في الدول النامية بانتهاج أخلاقيات العدالة محل اتهام بالانحياز للحكومات والأنظمة، لكن الصراحة في الحالة المصرية تحديدا تقتضي الشفافية وكشف الحقائق.. ويعلم القارئ الكريم كم كان لكاتب تلك السطور من انتقادات للأداء الإداري للدولة ووزرائها لكن علينا الإنصاف أيضًا في تناول ملفات ومطالب الإصلاح..
فحين تنصب لعنات "خبراء المقاهي"- إن صح التوصيف- على الدولة والنظام.. يهمل كثيرون أو يتعامون عمدا عن حقائق مفزعة.. وأبرزها الدور المفترض من الشعب إزاء الحفاظ على بلده، فمصيبتنا في مصر أن انعدام الثقة بين الشعب والحكومات المتعاقبة، وتصدير مروجي التخريب لفكرة "المظلومية" التي يعانيها الشعب إزاء إهمال حقوقه خلَّف ثقافة "الفهلوة" لدى كثيرين، فصرت ترى الرجل يتباهى أنه تهرب من دفع ثمن تذكرة المترو أو أتوبيس هيئة النقل العام..
وكم من مسافر في مختلف القطارات يتفنن في التهرب من دفع قيمة التذكرة أو يحاول أن يدفع مسافة أقل من تلك التي قطعها.. والمصيبة أنه يتعامل مع الأمر كنوع من "الشطارة" التي يتحلى بها والقدرة على إدارة أموره بفن "الفهلوة" أو "تفتيح المخ" أو "الهبل على الشيطنة"، ويستحل لنفسه تماما ما يفعل ولو ناقشته يقول لك برد يثيريه بأكثر من ألف تلي أداة النداء «"ياااااااااااااعم " جت على دي البلد ياما فيها حرامية كبار».. يقول قوله هذا بهدوء أعصاب شديد وسلامة صدر يتنفس أثنائها هواء الله بطمأنينة دون أدنى شعور بذنب أو حاجة إلى تصحيح مسار بتوبة.
يحدث هذا وغيره الكثير، فهناك من يحتال على شركة الكهرباء ويركب جهاز تكييف أن يجعل وصلته من خلف عداد الكهرباء، وآخر يدخل توصيلة المياه خلسة إلى بيته.. والأمر بالنسبة إليه عادي جدا.. المهم أن يبقى بعيدا عن أعين الجهات المسئولة أو يعرف على الأقل كيف يحمي نفسه إن وقع تحت طائلة التغريم.
وفي النهاية نتحدث عن حكومات نتهمها بالفساد ومسئولين نراهم "حرامية"، والمصيبة أن أفعال اللصوص الصغيرة التي يرتكبها الجهلاء في التعامل مع المال العام على النحو المشار إليه، هي أشد فتكا من جرائم اللصوص الكبار فضلا عن محاولة إلباس ثوب "مشروعية الحق عليها"..
إننا لن تستطيع وضع شرطي أو ضابط رقابة إدارية على رأس كل مواطن، لكننا يمكننا دعم دور رجال الدين ومن قبلهم المؤسسات الدينية الرسمية وأن يتم توفير جميع ما يضمن سبل العيش الكريم للقائمين بالدعوة والإعلام الديني المستنير، والتصدي بقوة لأي مظاهر ترف أو تبذير مقيت تستفز الفقراء وتتجاهل معاناتهم بما يفعله الفنانون في حفلات الضجيج والترف، وتدمير أخلاقيات المجتمع، فضلا عن إعادة تدوير العري والرذيلة في صورة إنتاج دارمي.