الدكتورة نادية زخاري: هذه كانت شروطي لقبول منصب وزيرة البحث العلمي أثناء حكم الإخوان
- أسهمت في رفع بدل الجامعة للباحثين من 30 إلى 3500 جنيه
- قبلت منصب وزيرة البحث العلمي بحكومة قنديل لأنه بعيدة عن السياسة وصراعاتها
- البحث العلمي أهم من السياسة والباحث المصري مفتون بالغرب لهذه الأسباب
- زوجي أكبر داعم لي في حياتي العملية.. وسوف أعمل لآخر لحظة في عمري
«طالما أمتلك المقدرة على العمل سأظل أعمل».. جملة أنهت بها الدكتورة نادية زخاري، وزير البحث العلمي السابقة، الحوار معها، غير أنها قبل أن تلجأ إلى الجملة تلك، تحدثت عن محطات عدة في حياتها، بدءًا من أيام الدراسة في واحدة من أفضل المدارس المصرية، مرورًا بمحطات الدراسة الجامعية والماجستير والدكتوراه، وصولًا إلى المحطة الأهم في تاريخها.. محطة الوزارة.
«د.نادية».. نموذج يمكن القول إنه النموذج الأمثل لـ«الباحث المصري»، ومسيرتها مع البحث العلمي، بدأت منذ المرحلة الثانوية، عندما وقعت في غرام المواد العلمية، الكيمياء تحديدًا، لتستكمل دراستها الجامعية في كلية العلوم بعد ذلك.
«ترددت في قبول المنصب الوزاري».. مفاجأة أعلنت عنها «د. نادية» خلال دقائق الحوار، كما أشارت إلى أنها اشترطت على رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل، قبولها المنصب الوزاري، مرة ثانية، لكونها باحثة متميزة، وليس لأنها امرأة أو مسيحية.. وقد كان.
«البحث العلمي أهم من السياسة»، حقيقة خرجنا بها بعد انتهاء الحوار، فالوزيرة التي قبلت التعامل مع «نظام الإخوان»، استطاعت أن تنأى بنفسها بعيدًا عن معاركهم السياسية، كما أن دورها في مجال البحث العلمي لعب دورًا في اختيارها ضمن 30 سيدة لعضوية المجلس القومي للمرأة، من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وعن رحلتها العملية، وتفاصيل أيامها في الوزارة، سواء في حكومة الدكتور كمال الجنزوري، أو حكومة الدكتور هشام قنديل، وكواليس لقاءها الرئيس المعزول محمد مرسي، وموقفها من جماعة الإخوان الإرهابية.. وأمور أخرى كان الحوار التالي:
لنعد بالذاكرة سنوات إلى الوراء.. هل يمكن أن تحدثينا عن لحظات البداية؟
البداية من المدرسة بالطبع، وكان لي حظ جيد بانتمائي لمدرسة «إنجلش مين كولدج» أحد أفضل ثلاث مدارس في مصر خلال العقود الماضية، فهي مدارس من الحضانة للثانوى، وكانت الناظرة «مسيز ليندا» التي تخرج من تحت يديها الكثير من الوزراء، أبرزهم هالة السعيد وزيرة التخطيط، هشام عرفات وزير النقل، خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي، وغيرهم، وذلك قبل أن تتحول تلك المدارس لتصبح «كلية السلام»، والتقيتها أثناء احتفالية تكريمها من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتحدثنا لفترة طويلة، وحين حاولنا إنهاء حديثها لم تلتفت فجلب الرئيس كرسيا وجلس بجوارها وكان ذلك موقفا إنسانيا جميلا.
مثل أي طالب.. ما المواد المفضلة لك في المراحل الدراسية؟
كان لدى توجه علمي منذ الصغر، وتحديدًا الكيمياء، لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد الذي من أجله التحقت بكلية العلوم قسم الكيمياء الحيوية، حيث كان كرهي للمواد الأدبية وخاصة الجغرافيا عاملا قويا في ذلك.
وماذا عن حياتك الجامعية وأنشطة الطلاب؟
لم يكن كل هذا من صفاتي، لم أحب الأنشطة الجامعية مثل اتحاد الطلبة وغيرها، لكن كانت لي هوايات في الرياضة والرسم، كما أني «حريفة بينج بونج»، ثم بدأت في إعداد الدراسات والأبحاث حتى جاء أول تكريم لي.
هل تتذكرين تفاصيل «التكريم الأول»؟
كانت أول جائزة من جامعة القاهرة، وهي جائزة تشجيعية بسبب أبحاث لي في مجال الحفاظ على البيئة، إذ كانت دراساتي عن الملوثات البيئية التي تسبب أوراما سرطانية، شعرت وقتها أن هناك فائدة لما أفعله، لا سيما بعد أن بدأت أبحاثي تنشر في الخارج.
من ماجستير إلى دكتوراه ثم رئاسة قسم البيولوجيا بالمعهد القومي للأورام.. هل يمكن أن تقدمي لنا تفاصيل أكثر عن محطاتك العلمية هذه؟
لم يكن فيها سوى أبحاث علمية ودراسات وتطوير فقط، وحين توليت القسم كان تطويره وجلب أحدث الأجهزة شغلى الشاغل لي وفعلت فيه قدر ما أستطيع.
وماذا عن محطة «الوزارة»؟
البداية لم تكن في 2011، لكنها قبل ذلك بخمس سنوات اتصل بي شخص من جهة سيادية، واستفسر عن معلومات شخصية عني وعن أسرتي ثم أغلق الخط، وقتها لجأت لأحد الزملاء فأخبرني أن هناك تعديلا وزاريا، ويمكن إسناد أي حقيبة لي، لكني لم أصدق ذلك ولم يخطر على بالي أن يكون المنصب وزيرة بحث علمي.
وما الذي حدث في 2011؟
في نوفمبر 2011، وأثناء تشكيل الدكتور كمال الجنزوري حكومته جاءني اتصال من مكتبه يخبرني برغبته في لقائي في وزارة الاستثمار، وكان الأمر صريحًا تلك المرة، فقد أخبروني أنني مرشحة للوزارة التي يتم تشكيلها، وكان الإحساس المتناقض هو ما اجتاحني وقتها، حتى إني فكرت في عدم الذهاب من الأساس، فالمهمة صعبة وكنت أقول لنفسي «هقدر أم سأصبح وزيرة فاشلة».
كانت مقابلة الدكتور «الجنزوري» كافية بأن تُنهي أي حالة قلق، كان الرجل مريحا وهادئا وسألني هل تقبلين أن تكوني معنا في الوزارة، سألته عن المطلوب مني، فقال لى مادام عندك النية للعمل والعطاء فسوف يتحسن الإنتاج، وبعد أن توليت الوزارة عرفت أن الوزير مطلوب منه كل شيء وأن يفكر خارج الصندوق.
كيف تكون المرأة وزيرة وتعول بيتا في نفس الوقت؟.. وماذا عن موقف الزوج؟
كان هناك تعاون.. فزوجي أول من عرف خبر تكليفي لتولي الحقيبة الوزارية، وكان يتابع معي على الهاتف كل التفاصيل قبل أن أتولى الوزارة رسميًا، أما بناتي فكن فخورات بي وساعدنني بمجرد تولي الوزارة، ومسئولياتي في البيت منذ زواجي وحتى تعليم بناتي لم تشهد أي تقصير، وحين توليت الوزارة كانت بناتي في سن النضج، ما ساعد كثيرًا في تخطي أي أزمة، ولو عرض عليّ المنصب وبناتي في سن صغيرة كنت رفضته.
كيف بدأتِ العمل كوزيرة؟ وهل واجهتك صراعات في تلك الفترة؟
بدأت بالتعاون مع الدكتور حسين خالد وزير التعليم العالي في حكومة الجنزوري، واستطعنا أن نرفع بدل الجامعة للباحثين من 30 جنيها إلى 3500 جنيه، مما يرفع من مستواهم المادي ومضاعفة ميزانية البحث العلمي، وتلك الفكرة نسبها الإخوان لأنفسهم بعد ذلك.
وما الإنجازات الأخرى التي تم تحقيقها؟
كان لدى اهتمام خاص بتحسين البنية التحتية للمعامل، وإنشاء مراكز تميز في القاهرة والأقاليم، وأبرمت اتفاقيات دولية عديدة ووضعت مشاريع قوانين تخدم البحث العلمي، كما خلصت الوزارة من بعض الفاسدين، وغيره من أعمال، أما عن الصراعات فبالتأكيد كان يوجد كثير من الشخصيات التي عملت على محاربتي وإحباط نجاحي خاصة بعض الفاسدين الذين كشفتهم خلال فترة حكمي.
صراحة.. هل كان هناك فساد في وزارة البحث العلمي أثناء فترتك؟
نعم كان يوجد فساد في الوزارة، وكنت ألجأ للنيابة والرقابة الإدارية، الفساد كان موجودا من قبل تولي الوزارة، وبعض من تكتشف فسادهم يصبحون أشرس، وهذا الأمر لا يقتصر على وزارة البحث العلمي فقط لكن الرقابة الإدارية كانت «دراعي اليمين» في مواجهة هؤلاء الذين كان سلاحهم الشائعات، وعلى النقيض كان هناك العديد من الشرفاء الذين عملوا بجد، ويمكن القول إنهم كانوا وراء أي نجاح تحقق في هذه الفترة.
تجربة الوزارة تكررت في حكومة هشام قنديل وفي ظل حكم الإخوان.. ما الأسباب التي دفعتك لقبول المنصب؟
قبلت المنصب لأن وزارة البحث العلمي بعيدة عن السياسة وصراعاتها، كما أنني كنت أعمل لخدمة مصر والبحث العلمى المصرى، وكان شرطى للقبول ألا يكون اختيارى لأنني سيدة ومسيحية، وقد كان رد دكتور هشام أن اختيارى على أساس كفاءتى، لأنه كان يعرفني أثناء وزارة الدكتور الجنزورى، حيث كان وزير الرى حينذاك، أيضا كان شرطى عدم تدخل من لا يفهمون في البحث العلمى في عمل الوزارة.
وهل جمعتك أية لقاءات مع الرئيس المعزول محمد مرسي؟
لم ألتقه سوى مرة عند حلف اليمين، بعدها عقد اجتماعا ليشرح لنا المطلوب، ثم إفطار رمضاني حضرته، وبعدها حضرت لقاءين ألقى فيهم خطابين، وفي العموم لم يكن يتحدث عن أي سياسة تخص البحث العلمي.
ما تقييمك للخطوات التي تتخذها الدولة فيما يتعلق بالبحث العلمي خلال السنوات الماضية؟
المؤشرات الأخيرة تشير إلى أن هناك تحسنا في البحث العلمي، وإن كان ذلك يظهر أولًا للباحثين، لكن مؤخرًا مثلا تم عقد مؤتمر بالقومي للبحوث عن صناعة الغذاء، وأعجب الدكتور على المصيلحي وزير التموين بالأفكار، وأكد ضرورة تطبيقها بعد عمل الدراسات اللازمة مثل دراسة الجدوى، وغير ذلك من الأمثلة التي تقول إننا على الطريق الصحيح.
من واقع خبرتك الطويلة.. لماذا لا نصل لمستوى الدول المتقدمة؟.. وهل الميزانية السبب؟
السبب يعود لعدم ثقة المستثمر المصري في البحث العلمي المصري، فرجال الأعمال لديهم انبهار كامل بالخارج، ولدينا في مصر أبحاث أفضل بكثير، لكننا نعاني من وجود فجوة بين المستثمر والباحث، وإن كان الأمر بدأ يتغير خلال السنوات الأخيرة، فمثلًا بفضل العلم أصبح السجاد المصري الأفضل في العالم، أما الميزانية فليست كل شيء.
بجانب البحث العلمي.. كنتِ ضمن 30 سيدة اختارهن الرئيس للمجلس القومي للمرأة.. ماذا عن مشكلات المرأة الباحثة؟
المشكلات التي تواجهها المرأة الباحثة هي نفس المشكلات التي تواجه الرجل الباحث، فلا يوجد فرق وإن كانت النساء «واخدة حقها في البحث العلمي».
أخيرًا.. ما أهم جائزة حصلت عليها؟
الجائزة التي اعتز بها حين كنت وزيرة من مجلة «فوربس» عام 2013، وتم اختياري المرأة رقم واحد في مصر و16 في المنطقة العربية والبحر المتوسط الأكثر تأثيرا في مجالها، وحتى نهاية حياتي، ومادامت لدى مقدرة على العمل لن أتوقف عن الأنشطة وخدمة المجتمع.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"